للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: إن الذي أتى أهلَ قباء عَبَّادُ بن وهب من بني حازم (١).

والحاصل: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تحول إلى الكعبة المشرفة عن استقبال بيت المقدس في صلاة الظهر، ثم ذهب مَنْ أخبر بني حارثة بالتحويل، فصادفهم في صلاة العصر، ثم ذهب مَنْ أخبر أهل قباء، فوافقهم في صلاة الصبح، فيكون بنو حارثة صلوا جميع الظهر بعد التحويل إلى جهة الصخرة، وصلى أهل قُباء الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ إليها كذلك؛ لأنه لم يبلغهم النسخُ، ولم يؤمروا بالإعادة؛ لعدم علمِهم بورود الناسخ؛ لأنهم صلَّوا إلى قبلة كانوا مأمورين بالتوجه إليها، وجهلوا التحويلَ الطارىء، فلم تلزم إعادة، وهذا على قاعدة اشتراط العلم لصحة التكليف.

(فقال) ذلك الآتي لأهل قُباء: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أتى بأداة التأكيد؛ لاقتضاء المقام لذلك؛ لعظم الأمر وفخامته وغرابته (قد أُنزل) -بالبناء للمفعول- (عليه الليلة قرآنٌ) -بالرفع- نائب فاعل؛ أي: أنزل الله عليه الليلة قراَنًا، وإنما حذف الفاعل للعلم به.

وفيه: إطلاقُ الليلة على بعض اليوم الماضي، وما يليه، مجازًا، والتنكير في قوله "قرآن" لإرادة [البعضية] (٢)، والمراد: قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} الآيات [البقرة: ١٤٤].

(وقد أُمر) - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: أمره الله في القرآن الذي أنزل عليه (أن يستقبل القبلة)؛ أي: الكعبةَ المشرفةَ.

فيه: أن ما يؤمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - يلزم أُمَّتَه، وأن أفعاله يؤتَسى بها


(١) قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة في تمييز الصحابة" (٣/ ٦٢٠): والمحفوظ في ذلك عباد بن بشر بن قيظي.
(٢) في الأصل: "التعظيم"، والتصويب من "الفتح" (١/ ٥٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>