للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول في موضع آخر: "ولهذا فرض متأخرو الفقهاء مسألة يمتنع وقوعها، وهو أن الرجل إذا كان مقرًا بوجوب الصلاة فدعي إليها، وامتنع واستتيب ثلاثًا، مع تهديده بالقتل، فلم يصل حتى قتل، هل يموت كافرًا أو فاسقًا؟ على قولين.

وهذا الفرض باطل قطعًا، فإنه يمتنع في الفطرة أن يكون الرجل يعتقد أن الله فرضها عليه، وأنه يعاقبه على تركها، ويصبر على القتل، ولا يسجد لله سجدة من غير عذر له في ذلك، هذا لا يفعله بشر قط، بل ولا يُضرب أحد ممن يقر بوجوب الصلاة إلا صلى، لا ينتهي به الأمر إلى القتل، وسبب ذلك أن القتل ضرر عظيم لا يصبر عليه الإنسان، إلا لأمر عظيم، مثل لزومه لدين يعتقد أنه إن فارقه هلك، فيصبر عليه حتى يقتل، وسواء كان الدين حقًا أو باطلاً، أما مع اعتقاده أن الفعل يجب عليه باطنًا وظاهرًا، فلا يكون فعل الصلاة أصعب عليه من احتمال القتل قط.

ونظير هذا: لو قيل: إن رجلًا من أهل السنّة قيل له: ترضَّ عن أبي بكر وعمر، فامتنع عن ذلك حتى قتل، مع محبته لهما واعتقاده فضلهما، ومع عدم الأعذار المانعة من الترضي عنهما، فهذا لا يقع قط. . " (١).

الثالثة: أن السلف رضوان الله عليهم إذا حكموا على تارك الصلاة بالكفر الأكبر -بل قد حكم بعضهم بالكفر على من ترك بقية الأركان الأخرى- هل يعقل عنهم أبدًا أنهم سيحكمون بالإيمان لمن عاش حياته كلها، لم يعمل من أعمال الإسلام شيئًا، لا صلاة، ولا صيامًا، ولا زكاة، ولا حجًا! ! ! .


= فالجمهور على أنه لا يكفر بذلك، بل يفسق، وذهب أحمد إلى أنه يكفر، وأنه يقتل ردة لا حدًا. . . وأنا أرى أن الصواب رأي الجمهور. . ".
ثم قال: "أما لو خير بين القتل والتوبة وبالرجوع إلى المحافظة على الصلاة، فاختار القتل عليها، فقتل، فهو في هذه الحالة يموت كافرًا، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا تجري عليه أحكامهم. . . لأنه لا يعقل -لو كان غير جاحد لها في قلبه- أن يختار القتل عليها، هذا أمر مستحيل، معروف بالضرورة من طبيعة الإنسان، لا يحتاج إثباته إلى برهان. . ".
(١) الإيمان (١٧٣).

<<  <   >  >>