للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمصنف -كما سبق- يفرق بين تارك الصلاة بالكلية، وبين الذي بصلي أحيانًا، ويدعها أحيانًا أخرى.

نعود لنذكر أن المصنف رحمه الله قد أفاض في تلك القضية -أعني قضية تارك الصلاة بالكلية -تفريعًا للأصل الهام الذي دارت حوله تقريبًا جميع مباحث الإيمان في كتاب "شرح حديث جبريل"، هذا الأصل هو أن جنس الأعمال من لوازم الإيمان الباطن، لا يصح إيمان باطن بدون أعمال ظاهرة.

لذا نجد أن المصنف يختم حديثه عن الإيمان باعتبار قول القائلين -وهم المرجئة- إن الإيمان الواجب يكون بدون فعل شيء من الواجبات خطئًا بينًا، ويذكر بأن هذه البدعة المذمومة -وهي الإرجاء- قد أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها، وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف.

ثم ينبه إلى أن الصلاة هي آكد الأعمال التي لا يصح الإيمان بدون شيء منها، وهي أيضًا أعظم الواجبات وأولها وأجلها (١).

ومن تأمل الأمر وجد أن افتراض إيمان بلا عمل ظاهر، هو بدعة شنعاء لا حقيقة لها في واقع البشر، وإنما هي فكرة فلسفية دارت وتدور في عقول المرجئة قديمًا وحدثًا.

أما واقع الحياة، وطبيعة البشر، والواقع التطبيقي للجيل الأول في هذه الأمة، والمنهاج الأسمى الذي تربى عليه المؤمنون في الصدر الأول، فكل هذه الأمور تبطل تصورات المرجئة، وتنسفها من أساسها.

فالمنافقون كما أشار المصنف في أول الكتاب (٢) كانوا يصلون ويزكون وينفقون، ولكن لم يكن يقبل منهم، وكانوا يقاتلون مع المسلمين، ويغزون معهم، ويسافرون إلى الأماكن القاصية للغزو مع المسلمين، ويصابون في أنفهم وأموالهم، ومع ذلك لم يتقبل منهم، أفيعقل أن يقبل


(١) المصدر نفسه (٥٧٧).
(٢) المصدر نفسه (٣٠١).

<<  <   >  >>