للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما ما يقصده المرجئة بقولهم: إن الأعمال ثمرات الإيمان الباطن، فيعنون بذلك أن الإيمان الباطن قد يكون سببًا، وقد يكون الإيمان الباطن تامًا كاملًا، وهي لم توجد، وهذا قول باطل (١).

كما أن ما يقوم بالبدن من الأقوال الظاهرة والباطنة له تأثير ولا شك في إيمان القلب، وكل منهما يؤثر في الآخر.

"غير أن من المهم هنا أن نعرج على الحالة المعاكسة -أي حالة المنافق الذي يستسلم ظاهرًا، وهو غير منقاد باطنًا- لنبين أن ذلك لا يتعارض مع هذه الحقيقة، وذلك أن أعمال المنافق هي بلا ريب أثر ما في قلبه، فقد يقال: لِمَ لَمْ يتلازم الظاهر والباطن في حقه، إذ نراه على ظاهر يخالف باطنه؟ .

والجواب: إن القاعدة صحيحة، وإن التلازم ثابت، فإن الالتواء أو التذبذب الخارجي هو أثر الالتواء والتذبذب الباطني المطابق له، والمنافق في الواقع ونفس الأمر ليس منقادًا لا ظاهرًا ولا باطنًا، فهذا هو حكمه عند الله الذي يعلم الأمور على حقائقها.

ومخالفة ظاهره لباطنه إنما هي في علمنا البشري القاصر، حيث يمكن أن يحجبنا بتصنعه وتكلفه أعمال الإيمان الظاهرة عما في قلبه من الكفر، ومع ذلك فليس الأمر على إطلاقه، فبصيرة المؤمنين لها أثر في معرفة المنافق، ولحن القول لا ينفك ينبئ عن المنافقين بين الحين والحين، كما أن اعوجاج المظهر من لوازمه المعلمة عن حقيقة المخبر, ولولا وجود ضعاف الإيمان من غير المنافقين، لكان أمرهم أجلى. . " (٢).

ونأتي الآن إلى نص آخر للمصنف حيث يقول رحمه الله فيه: "ولما كانت الأقوال والأعمال الظاهرة لازمة ومستلزمة للأقوال والأعمال الباطنة كان يستدل بها عليها، كما في قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ


(١) الإيمان (٢٨٥).
(٢) ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي (٢/ ٦٤٨).

<<  <   >  >>