للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: ٢٢]، فأخبر أن من كان مؤمنًا بالله واليوم الآخر، لا يوجدون موادين لأعداء الله ورسوله، بل نفس الإيمان ينافي مودتهم، فإذا حصلت الموادة دل ذلك على خلل في الإيمان.

وكذلك قوله تعالى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (٨٠) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ} [المائدة: ٨٠ - ٨١] (١).

وهذه الآية التي أوردها المصنف من أظهر الأدلة على بطلان مذهب المرجئة، ومن أقوى الأدلة أيضًا على أن الإيمان الذي في القلب إذا لم يظهر منه شيء على البدن، فليس بإيمان صحيح، ولا نافع عند الله تعالى في الآخرة.

فقد ذكر سبحانه وتعالى أنه كتب الإيمان في قلوبهم، أي جعله في قلوبهم كما ذكر المفسرون (٢)، فنص على إيمان القلب، وقبل ذلك نفى الإيمان عن الذين يوادون من حاد الله ورسوله، حتى لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم.

فدل على أن إيمان القلب مرتبط بإيمان الجوارح، أو بعبارة أخرى: أن الإيمان الظاهر لازم للإيمان الباطن.

وفي حين أنكر الناس على الكرامية قولهم في الإيمان، واعتبروا أن القول المجرد عن الاعتقاد هو الإيمان، فإن المصنف رحمه الله لينكر قول الذين يرون أن الإيمان في القلب يكون تامًا بدون العمل.

يقول عن هاتين الطائفتين التي اعتبرت إحداهما أن التصديق المجرد هو الإيمان، والأخرى التي اعتبرت أن القول المجرد هو الإيمان: "بل


(١) شرح حديث جبريل (٤٢٨).
(٢) تفسير القرآن العظيم (٤/ ٣٣٠).

<<  <   >  >>