للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول المجرد عن اعتقاد الإيمان ليس إيمانًا باتفاق المسلمين، إلا من شذ من أتباع ابن كرام، وكذلك تصديق القلب الذي ليس معه حب لله ولا تعظيم، بل فيه بغض وعداوة لله ولرسله، ليس إيمانًا باتفاق المسلمين، فليس مجرد التصديق بالباطن هو الإيمان عند عامة المسلمين، إلا من شذ من أتباع جهم والصالحي، وفي قولهما من السفسطة العقلية والمخالفة في الأحكام الدينية أعظم مما في قول ابن كرام، وقول ابن كرام فيه مخالفة في الاسم دون الحكم، فإنه وإن سمى المنافقين مؤمنين يقول: إنهم مخلدون في النار، فيخالف الجماعة في الاسم دون الحكم وأتباع جهم يخالفون في الاسم والحكم جميعًا" (١).

فالمصنف رحمه الله يجعل من حصر الإيمان في القلب وجعله هو التصديق قولا شاذًا، بل يعتبره أبعد وأضل من قول الكرامية الذي اتفق الناس على شذوذه (٢).

ونأتي الآن إلى نص آخر يقول فيه المصنف: "وبهذا تعرف أن من آمن قلبه إيمانً جازمًا، امتنع أن لا يتكلم بالشهادتين مع القدرة، فعدم الشهادتين مع القدرة مستلزم الماء الإيمان القلبي التام، وبهذا يظهر خطأ جهم ومن اتبعه في زعمهم أن مجرد إيمان بدون الإيمان الظاهر ينفع في الآخرة، فإن هذا ممتنع، إذ لا يحصل الإيمان التام في القلب إلا ويحصل في الظاهر موجبه بحب القدرة، فإن من الممتنع أن يحب الإنسان غيره حبًا جازمًا، وهو قادر على مواصلته، ولا يحصل منه حركة ظاهرة إلى ذلك. " (٣).

ويقول رحمه الله في نص آخر: "أن الإيمان الذي في القلب من التصديق والحب وغير ذلك، يستلزم الأمور الظاهرة من الأقوال الظاهرة والأعمال


(١) شرح حديث جبريل (٤٤١).
(٢) وهؤلاء هم الجهمية ومن تابعهم من الأشعرية وغيرهم، الذين حصروا الإيمان في التصديق، وقد سبق لنا ذكر مناقشة المصنف لهم.
(٣) المصدر السابق (٤٤٤).

<<  <   >  >>