للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تارة أكثر مما يحبه تارة، ويخافه تارة أكثر مما يخافه تارة (١).

ثالثًا: إن نفس التصديق والعلم في القلب يتفاضل ويتفاوت، ويكون بعضه أقوى من بعض، كما تفاضل وتفاوت سائر صفات الحي من القدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام، بل وسائر الأعراض من الحركة والسواد والبياض.

وإذا كانت القدرة على الشيء تتفاوت، فكذلك الإخبار عنه يتفاوت، وهذا أمر يشهده كل أحد من نفسه، كما أن الحس الظاهر بالشيء الواحد، مثل رؤية الهلال، وإن اشترك الناس فيها، فإن رؤية بعضهم أتم من بعض، وكذلك سماع الصوت الواحد، وشم الرائحة الواحدة، وذوق الشيء الواحد من الطعام.

والإنسان يجد في نفسه أن علمه بمعلومه تفاضل حاله فيه، كما يتفاضل حاله في سمعه لمسموعه، ورؤيته لمرئيه، وقدرته على مقدوره، وحبه لمحبوبه، وبغضه لبغيضه، فكذلك في معرفة القلب وتصديقه، يتفاضل الناس فيها أعظم من تفاضلهم في تلك الأمور (٢).

رابعًا: أن التصديق المستلزم لعمل القلب، أكمل وأتم من التصديق الذي لا يستلزم عمله، فالعلم الذي يعمل به صاحبه، أكمل من العلم الذي لا يعمل به، وإذا كان هناك رجلان يعلمان أن الله حق، ورسوله حق، والجنة حق، والنار حق، وهذا علمه أوجب له محبة الله، وخشيته، والرغبة في الجنة، والهرب من النار، والآخر علمه لم يوجب له ذلك، فعلم الأول وتصديقه أكمل، فإن قوة المسبب دال على قوة السبب.

وذلك جاء في الحديث (ليس الخبر كالمعاينة) (٣)، فإن موسى عليه السلام


(١) شرح حديث جبريل (٤٥٨)، الإيمان (١٨٥).
(٢) شرح حديث جبريل (٤٦٠)، الإيمان (١٨٤).
(٣) رواه أحمد برقم (١٨٤٢)، وقال محققه الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (٦٢١٣) ١٤/ ٩٦، وقال محققه: صحيح، ورواه الحاكم في المستدرك (٢/ ٣٢١)، وقال: على شرط الشيخين ولم يخرجاه، =

<<  <   >  >>