للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لما أخبره ربه أن قومه عبدوا العجل، لم يلق الألواح، فلما رآهم قد عبدوه ألقاها (١)، وليس ذلك لك موسى في خبر الله، لكن المخبَر وإن جزم بصدق المخبِر، فقد لا يتصور المخبَر به في نفسه، كما يتصوره إذا عاينه، فهذا الصديق أكمل من ذلك الصديق (٢).

خامسًا: أن التفاضل يحصل في هذه الأمور من جهة دوام ذلك وثباته وذكره واستحضاره، فالعالم بالشيء في حال غفلته عنه دون العالم بالشيء في حال ذكره له، والتصديق والعلم الذي يكون العبد ذاكرًا له مستحضرًا له، بحيث لا يكون غافلًا عنه، أكمل ممن صدق به وغفل عنه، وهذا يختلف بين الإنسان ونفسه، فإنه يجد أنه أحيانًا قد قرأ شيئًا من القرآن الكريم، وظهر له في أثناء قراءته من المعاني ما لم يكن يخطر له على بال، فيؤمن بتلك المعاني، ويزداد علمه وعمله.

أما اختلاف ذلك من شخص إلى آخر فأمر واضح (٣).

سادسًا: أن التفاضل في العلم والتصديق وعمل القلب يحصل من جهة الأسباب المقتضية لها، فمن كان تصديقه ومحبته أدلة يقينية، لم يكن بمنزلة من كان تصديقه لأدلة ظنية، ولا شك أن العلم بكثرة الأدلة وقوتها، وبفساد الشبه المعارضة لها، ليس كالعلم الحاصل عن دليل واحد، من غير أن يعلم الشبه المعارضة له، فإن الشيء كلما قويت أسبابه وتعددت، وانقطعت موانعه وانتهت، كان أوجب لكماله وقوته وتمامه (٤).

سابعًا: أن الإنسان قد يكون مكذبًا ومنكرًا لأمور لا يعلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر بها وأمر بها، ولو علم ذلك لم يكذب ولم ينكر، بل


= ووافقه الذهبي، ورواه الطبراني في المعجم الأوسط (١/ ٤٥)، وقال الشيخ ناصر الدين الألباني في تخريج أحاديث كتاب الإيمان الكبير (١٨٥): "رواه أحمد بسند جيد".
(١) هذه القصة جاءت في أكثر روايات الحديث السابق.
(٢) الإيمان (١٨٥).
(٣) شرح حديث جبريل (٤٦٢)، الإيمان (١٨٥).
(٤) شرح حديث جبريل (٤٦٢).

<<  <   >  >>