للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وترك المحرمات جميعها، فإذا قال الرجل: أنا مؤمن بهذا الاعتبار، فقد شهد لنفسه بأنه من الأولياء الأبرار المتقين، القائمين بفعل جميع ما أمروا به، وترك كل ما نهوا عنه، وهذه من تزكية الإنسان لنفسه، وشهادته لنفسه بما لا يعلم، ولو صحت هذه الشهادة، لكان يحق له أن يشهد لنفسه بالجنة إن مات على هذه الحال، ولا أحد يهد لنفسه بالجنة، وهذا مأخذ عامة السلف الذين كانوا يستثنون في الإيمان، مع أنهم يجوزون ترك الاستثناء لسبب آخر، كما سيأتي إن شاء الله تعالى (١).

المذهب الثاني: الذين يجعلون الاستثناء محرمًا، وهم المرجئة والجهمية، ومأخذهم في ذلك أنهم جعلوا الإيمان شيئًا واحدًا، يعلمه الإنسان من نفسه، كالتصديق بالرب، فيقول أحدهم: أنا أعلم أني مؤمن، كما أعلم أني تكلمت بالشهادتين، وكما أعلم أني فرأت الفاتحة، وكما أنه لا يجوز أن يقال: أنا قرأت الفاتحة إن شاء الله، كذلك لا يجوز أن يقال: أنا مؤمن إن شاء الله، وقالوا: من استثنى في إيمانه فقد شك فيه، وسموا من يستثني في الإيمان بالشكاكة (٢).

المذهب الثالث: من يجعل الاستثناء وتركه جائزًا، فمأخذهم حين أجازوا الاستثناء -كما سبق- أن الإيمان المطلق يتضمن فعل جميع المأمورات، وترك جميع المحرمات، فلا يشهدون لأنفسهم بذلك، كما لا يشهدون لها بالبر والتقوى، لأن ذلك من تزكية النفس بلا علم (٣).

أما مأخذهم حين أجازوا ترك الاستثناء، فالمنع من الشك في أصل الإيمان، وليس يعني ذلك أن من ترك الاستثناء يكون إيمانه كاملاً، كالمرجئة (٤).

ويتبين بعد كل ما سبق، أن هذا المذهب هو أصح المذاهب (٥).


(١) المصدر السابق (٣٤٨).
(٢) المصدر نفسه (٣٣٤).
(٣) المصدر نفسه (٣٤١).
(٤) المصدر نفسه (٣٥٠).
(٥) المصدر نفسه (٣٣٤)، وما من قول من هذه الأقوال الثلاثة إلا قال به بعض أهل السنّة، ولكن القول الثالث هو الذي ذهب إليه الأكثرون منهم، والله أعلم، وإلى ذلك أشار المصنف فى مجموع الفتاوى (١٨/ ٢٧٨).

<<  <   >  >>