للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اقتران الحركة الإرادية به (١)، يقول: اللذة في مجرد الإدراك والشعور، وهذا غلط باتفاق العقلاء، بل لا بد من إدراك الملائم، والملائمة لا تكون إلَّا بمحبة بين المدرِك والمدرَك، وتلك المحبة والموافقة والملائمة ليست نفس إدراكه والشعور به.

وقد قال كثير من الناس من الفلاسفة والأطباء ومن اتبعهم: إن اللذة إدراك الملائم، وهذا تقصير منهم، بل اللذة حال يعقب إدراك الملائم، كالإنسان الَّذي يحب الحلو ويشتهيه، فيدركه بالذوق والأكل، فليست اللذة مجرد ذوقه، بل أمر يجد من نفسه يحصل مع الذوق، فلا بد أولًا من أمرين، وآخرًا من أمرين، لا بد أولًا من شعور بالمحبوب ومحبة له، فما لا شعور به لا يتصور أن يشتهي، وما يشعر به وليس في النفس محبة له لا يشتهى، ثم إذا حصل إدراكه بالمحبوب نفسه، حصل عقيب ذلك اللذة والفرح مع ذلك.

ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدعاء المأثور: "اللهم إني أسالك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، من غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة" (٢).

وفي الحديث الصحيح: "إذا دخل أهل الجنّة الجنّة، نادى مناد: يا أهل الجنّة! إن لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا، ويئقل موازيننا، ويدخلنا الجنّة، ويجرنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئًا أحب إليهم من النظر إليه" (٣) رواه مسلم وغيره.


(١) في (م) و (ط): ومن، وبهذه اللفظة يعد هذا قولًا جديدًا يذكره المؤلف، وبدونها يحد هذا القول تفسيرًا للقول الَّذي قبله.
(٢) رواه النسائي برقم (١٣٠٥) كتاب السهو؛ وأحمد برقم (١٧٨٦١)، والحاكم برقم في المستدرك (١/ ٥٢٤)، وصححه ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وكذا صححه الألباني في كتابه صحيح النسائي (١/ ٢٨٠).
(٣) رواه مسلم بنحوه برقم (١٨١) ١/ ١٦٣ كتاب الإيمان باب إثبات رؤية المؤمنين =

<<  <   >  >>