للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَرْفَعُ أَحَدٌ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ، وَلَا يَفْعَلُ إلَّا بَعْدَ فِعْلِهِ

وَيَفْتَتِحْ بَعْدَهُ وَيَقُومُ مِنْ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ قِيَامِهِ

وَيُسَلِّمُ بَعْدَ سَلَامِهِ وَمَا

ــ

[الفواكه الدواني]

الرَّاتِبِ، وَإِنْ أَذِنَ الْإِمَامُ، لَكِنْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ خَلِيلٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هُنَا: يُكْرَهُ جَمْعُهَا مَرَّتَيْنِ يَصْدُقُ بِصَلَاتِهَا جَمَاعَةً قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَلَامُ خَلِيلٍ يُوهِمُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْجَمْعِ بَعْدَهُ فَقَطْ اهـ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْجَمْعِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَإِنْ أَذِنَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ مَنْ أَذِنَ لِشَخْصٍ أَنْ يُؤْذِيَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَذِيَّتُهُ، وَإِنَّمَا كُرِهَ الْجَمْعُ لِغَيْرِ الرَّاتِبِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الشَّارِعِ تَكْثِيرُ الْجَمَاعَةِ لِخَبَرِ: الْجَمْعُ الْكَثِيرُ مَغْفُورٌ لَهُ، فَإِذَا عَلِمَتْ النَّاسُ عَدَمَ جَمْعِ الصَّلَاةِ فِي الْمَحَلِّ مَرَّتَيْنِ بَادَرُوا لِحُضُورِهَا مَعَ الرَّاتِبِ، وَمِنْ كَرَمِهِ تَعَالَى أَنْ جَعَلَ الْجُمُعَةَ مَجْمَعًا لِلنَّاسِ فَوْقَ الْجَمَاعَةِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ قَدْ لَا يَكُونُ فِيهَا مَغْفُورٌ لَهُ فَنَجِدُهُ فِي الْجُمُعَةِ، وَشُرِعَ الْعِيدُ لِاجْتِمَاعِ أَهْلِ الْبُلْدَانِ الْمُتَقَارِبَةِ، وَشُرِعَ الْمَوْقِفُ بِعَرَفَةَ لِاجْتِمَاعِ سَائِرِ الْأَقْطَارِ فِيهِ، فَفِيهِ اعْتِنَاءٌ بِشَأْنِ الْعِيدِ، وَحَمَلْنَا الْكَرَاهَةَ فِي الْجَمْعِ عَلَى وُقُوعِهَا قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْجَمْعِ فِي حَالِ صَلَاةِ الرَّاتِبِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ، بَلْ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ حَرَامٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ أُقِيمَتْ بِمَسْجِدٍ عَلَى مُحَصِّلِ النَّفْلِ، وَهُوَ بِهِ خَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّهَا وَلَا غَيْرَهَا، وَإِلَّا لَزِمَتْهُ كَمَنْ لَمْ يُصَلِّهَا، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ» وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَسَاجِدَ الَّتِي لَا رَاتِبَ لَهَا لَا يُكْرَهُ تَعَدُّدُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا، كَمَا لَا تُكْرَهُ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ فِيهَا بَعْدَ جَمْعِ الْإِمَامِ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ قَبْلَ الرَّاتِبِ، وَيَخْرُجُ قَبْلَ إتْيَانِهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيَجُوزُ، كَمَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الرَّاتِبِ أَنْ يَجْمَعَ إذَا جَاءَ فَوَجَدَ غَيْرَهُ جَمَعَ فِي مَحَلِّهِ حَيْثُ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِلَّا كُرِهَ لَهُ كَمَا يُكْرَهُ جَمْعُهُ إذَا تَأَخَّرَ كَثِيرًا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَهُ الْجَمْعُ إنْ جَمَعَ غَيْرُهُ قَبْلَهُ إنْ لَمْ يُؤَخِّرْ كَثِيرًا.

(تَنْبِيهٌ) : نَائِبُ الرَّاتِبِ حُكْمُهُ حُكْمُ الرَّاتِبِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى مَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِمَنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَمَنْ صَلَّى صَلَاةً) بِحَيْثُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهَا سَوَاءٌ صَلَّاهَا فَذًّا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ (فَلَا يَؤُمَّ فِيهَا أَحَدًا) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْإِمَامِ أَنْ لَا يَكُونَ مُعِيدًا سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً، فَمَنْ صَلَّى الْعِيدَ فِي جَمَاعَةٍ لَا يَؤُمَّ فِيهَا غَيْرَهُ، وَمَنْ صَلَّى خَلْفَ الْمُعِيدِ يُعِيدُ صَلَاتَهُ أَبَدًا حَيْثُ كَانَ صَلَاتُهُ فَرِيضَةً وَلَوْ فِي جَمَاعَةٍ، وَأَمَّا قَوْلُ خَلِيلٍ: وَأَعَادَ مُؤْتَمٌّ بِمُعِيدٍ أَبَدًا أَفْذَاذًا فَإِنَّ قَوْلَهُ أَفْذَاذًا خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ، وَأَمَّا السُّنَّةُ كَالْعِيدِ فَتُعَادُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَهَذَا فِي الْمَأْمُومِ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ إلَّا إذَا كَانَ أَدَّاهَا أَوَّلًا مُنْفَرِدًا لِحُصُولِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ عَلَى تَقْدِيرِ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ الْأُولَى كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ النَّاصِرِ اللَّقَانِيِّ.

(وَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ) عَنْ شَيْءٍ يُوجِبُ السَّهْوَ عَنْهُ السُّجُودُ (وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ فَلْيَتَّبِعْهُ) فِي السُّجُودِ وُجُوبًا (مَنْ لَمْ يَسْهُ مَعَهُ مِمَّنْ خَلْفَهُ) وَأَوْلَى مَنْ حَضَرَ مَعَهُ السَّهْوَ وَإِنْ أَتَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ مَا يُجْمِلُهُ الْإِمَامُ عَنْ الْمَأْمُومِ يَكُونُ سَهْوُ الْإِمَامِ سَهْوًا لِلْمَأْمُومِ، وَإِنْ فَعَلَهُ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ مُوجِبَهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَأْمُومَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَسْبُوقًا فَأَمْرُهُ وَاضِحٌ مِنْ لُزُومِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَسْبُوقًا فَإِنْ كَانَ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً يُخَاطَبُ بِالسُّجُودِ، وَإِنْ سَجَدَ وَلَوْ مَعَ الْإِمَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ سَجَدَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا، وَإِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً فَإِنَّهُ يَسْجُدُ الْقَبْلِيَّ وَالْبَعْدِيَّ بَعْدَ الْقَضَاءِ، فَلَوْ سَجَدَهُ مَعَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِي الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ كَمَا تَبْطُلُ بِسُجُودِهِ الْقَبْلِيِّ مَعَهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً.

قَالَ خَلِيلٌ: وَبِسُجُودِ الْمَسْبُوقِ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدِيًّا مُطْلَقًا أَوْ قَبْلِيًّا إنْ لَمْ يَلْحَقْ رَكْعَةً، وَإِلَّا سَجَدَ وَلَوْ تَرَكَ إمَامَهُ أَوْ لَمْ يُدْرِكْ مُوجِبَهُ وَأُخْرَى الْبَعْدِيُّ.

(تَنْبِيهٌ) : مَفْهُومُ قَوْلِهِ: فَلْيَتَّبِعْهُ أَنَّ الْمَأْمُومَ لَوْ تَرَكَ تَبَعِيَّةَ الْإِمَامِ فِي السُّجُودِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ قَبْلِيًّا، وَتَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا، وَلَا تَبْطُلُ إنْ تَرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ سَهْوًا، كَمَا لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ سُجُودِهِ الْبَعْدِيِّ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ تَرَكَ السُّجُودَ لِسَهْوِهِ لَا يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُؤْمَرُ بِالسُّجُودِ وَلَوْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِلَّا سَجَدَ وَلَوْ تَرَكَ إمَامُهُ أَوْ لَمْ يُدْرِكْ مُوجِبَهُ، وَأَخَّرَ الْبَعْدِيَّ فَإِنْ سَجَدَ الْمَأْمُومُ الْقَبْلِيَّ مَعَهُ وَتَرَكَهُ إمَامُهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَتَبْطُلُ صَلَاةُ إمَامِهِ إنْ كَانَ عَنْ نَقْصِ ثَلَاثِ سُنَنٍ وَطَالَ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَتُزَادُ هَذِهِ عَلَى قَاعِدَةِ كُلُّ صَلَاةٍ بَطَلَتْ عَلَى الْإِمَامِ بَطَلَتْ عَلَى الْمَأْمُومِ إلَّا فِي سَبْقِ الْحَدَثِ وَنِسْيَانِهِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ.

(وَ) مِنْ أَحْكَامِ الْمَأْمُومِينَ أَنَّهُ (لَا يَرْفَعُ أَحَدٌ) مِنْهُمْ (رَأْسَهُ) مِنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ (قَبْلَ) رَفْعِ (الْإِمَامِ) لِحُرْمَةِ ذَلِكَ، وَيُقَاسَ عَلَيْهِ الْخَفْضُ لِمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمَّا قَضَى أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي إمَامُكُمْ فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ وَلَا بِالْقِيَامِ وَلَا بِالِانْصِرَافِ فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ أَمَامِي وَمِنْ خَلْفِي» قَالَ ابْنُ نَاجِي: فَلَوْ رَفَعَ لِاعْتِقَادِهِ رَفْعَ الْإِمَامِ رَجَعَ إلَيْهِ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَلْحَقُهُ قَبْلَ رَفْعِهِ وَإِلَّا تَمَادَى، خِلَافًا لِسَحْنُونٍ فِي قَوْلِهِ: لَا بُدَّ مِنْ رُجُوعِهِ لِيَقَعَ رَفْعُهُ بَعْدَ الْإِمَامِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَأَمْرُ الرَّافِعِ بِعَوْدِهِ إنْ عُلِمَ إدْرَاكُهُ قَبْلَ رَفْعِهِ كَأَنْ خَفَضَ عَلَى مَا صَوَّبَهُ ابْنُ غَازِيٍّ، فَلَوْ تَرَكَ الْعَوْدَ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ حَيْثُ أَخَذَ فَرْضَهُ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ رَفْعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخَذَ فَرْضَهُ وَتَرَكَ الرُّجُوعَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهُ كَمُتَعَمِّدٍ تَرْكَ رُكْنٍ، كَانَ سَهْوًا كَانَ كَمَنْ زُوحِمَ تَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ وَيَأْتِي بِبَدَلِهَا.

(وَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>