للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ يَرْجِعُ ثَانِيَةً إنْ قَدَرَ فَيَمْشِي أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ قَعَدَ، وَأَهْدَى وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يَرْجِعُ ثَانِيَةً، وَإِنْ قَدَرَ وَيُجْزِئُهُ الْهَدْيُ، وَإِذَا كَانَ صَرُورَةً جَعَلَ ذَلِكَ فِي عُمْرَةٍ فَإِذَا طَافَ وَسَعَى وَقَصَّرَ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ بِفَرِيضَةٍ، وَكَانَ مُتَمَتِّعًا وَالْحِلَاقُ فِي

ــ

[الفواكه الدواني]

نَذْرِهِ أَوْ حَلِفِهِ. وَإِذَا خَرَجَ الْحَالِفُ أَوْ النَّاذِرُ فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (فَلْيَمْشِ) أَيْ يَجْعَلْ مَشْيَهُ (إنْ شَاءَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ اُعْتِيدَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَلِأَنَّ الْمَشْيَ إلَيْهَا يَسْتَلْزِمُ دُخُولَ الْحَرَمِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مُجَاوَزَتُهُ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ إلَّا الْمُصْطَفَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْمُتَرَدِّدُ عَلَيْهَا كَالْحَطَّابِ وَالْفَكَّاهِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا لَوْ عَيَّنَ نَذْرَهُ حِينَ حَلِفِهِ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِذَلِكَ الْمُعَيَّنِ.

قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى مَا يَلْزَمُ: وَمَشَى لِمَسْجِدِ مَكَّةَ، وَلَوْ لِصَلَاةٍ وَلَوْ نَافِلَةً.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ نَاذِرَ الْمَشْيِ أَوْ الْحَالِفَ بِهِ غَيْرُنَا وَشَيْئًا يُخَيَّرُ فِي إحْرَامِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ قَيَّدَهُ اللَّخْمِيُّ بِمَنْ كَانَ مَحَلُّهُ قَرِيبًا مِنْ مَكَّةَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مَحَلُّهُ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يَقْصِدُ بِمَشْيِهِ إلَّا الْحَجَّ فَهَذَا يَجْعَلُ مَشْيَهُ فِي حَجٍّ فَقَطْ لَا عُمْرَةٍ.

الثَّانِي: الْمُصَنِّفُ بَيَّنَ مَبْدَأَ الْمَشْيِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِغَايَتِهِ، وَبَيَّنَهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: لِتَمَامِ الْإِفَاضَةِ وَسَعْيِهَا أَيْ فَيَمْشِي لِتَمَامِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ إنْ جَعَلَ مَشْيَهُ فِي حَجٍّ، وَإِنْ جَعَلَهُ فِي عُمْرَةٍ يَمْشِي حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ سَعْيِهَا.

الثَّالِثُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ: حَلَفَ بِالْمَشْيِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَوْ نَذَرَ بِالْمَسِيرِ أَوْ الذَّهَابِ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، أَيْ لَا يَلْزَمُهُ مَشْيٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ، وَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَاشِيًا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَغَى عَلَى الْمَسِيرِ وَالذَّهَابِ وَالرُّكُوبِ لِمَكَّةَ، وَمُطْلَقِ الْمَشْيِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَكَّةَ، وَلَا الْبَيْتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصَدَ أَحَدَ النُّسُكَيْنِ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ رَاكِبًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمَشْيَ. (فَإِنْ قِيلَ) الْمَسِيرُ وَالذَّهَابُ كَالْمَشْيِ فَلِمَ لَزِمَ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ فِي الْمَشْيِ دُونَ غَيْرِهِ؟ . فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْعُرْفَ اُشْتُهِرَ فِيهِ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْمَشْيِ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِخِلَافِ لَفْظِ نَحْوِ الْمَسِيرِ أَوْ الرُّكُوبِ، وَأَيْضًا السُّنَّةُ جَاءَتْ بِذَلِكَ.

الرَّابِعُ: قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِثْلَ تَسْمِيَةِ مَكَّةَ تَسْمِيَةُ الْبَيْتِ أَوْ جُزْءٍ مُتَّصِلٍ بِهِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الصَّفَا أَوْ الْمَرْوَةِ أَوْ عَرَفَةَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَحَدَ النُّسُكَيْنِ أَوْ يَنْوِيَ الْحَجَّ عِنْدَ قَوْلِهِ إلَى عَرَفَةَ فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ.

الْخَامِسُ: كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ الْمَشْيُ لَا يَجُوزُ لَهُ الرُّكُوبُ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ الرُّكُوبَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَيْضًا رُكُوبُ الْبَحْرِ، وَلَوْ اُعْتِيدَ لِسَفَرِ الْحَجِّ إلَّا لِضَرُورَةٍ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَبَحْرٌ اُضْطُرَّ لَهُ لَا اُعْتِيدَ عَلَى الْأَرْجَحِ، وَصُورَةُ الِاضْطِرَارِ أَنْ يَنْذُرَ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ وَالْحَالُ أَنَّهُ فِي جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ مَثَلًا.

السَّادِسُ: تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْحَالِفِ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ أَوْ النَّاذِرِ مِنْ بَلَدِهِ وَسَكَتَ عَمَّا لَوْ كَانَ الْحَالِفُ أَوْ النَّاذِرُ بِالْمَشْيِ قَاطِنًا بِمَكَّةَ، وَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَخَرَجَ مَنْ بِهَا وَأَتَى بِعُمْرَةٍ، فَإِذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى مَكَّةَ، وَهُوَ سَاكِنٌ بِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ إلَى الْحِلِّ، وَيُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ قَصْدَ النَّاذِرِ أَوْ الْحَالِفِ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ الْإِتْيَانُ مِنْ غَيْرِهَا إلَيْهَا وَأَوَّلُ ذَلِكَ الْحِلُّ.

السَّابِعُ: يَجِبُ حَمْلُ قَوْلِهِ: فَلْيَمْشِ إنْ شَاءَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ حَجَّةَ الصَّرُورَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي أَوْ أَنَّ مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الصَّرُورَةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ الْآتِي وَعَلَى الصَّرُورَةِ جَعَلَ مَشْيَهُ فِي عُمْرَةٍ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ التَّحْقِيقِ.

(فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ) النَّاذِرُ أَوْ الْحَالِفُ إلَى مَكَّةَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مُعْتَقِدًا الْقُدْرَةَ عَلَى مَشْيِ جَمِيعِ الطَّرِيقِ (رَكِبَ) فِي بَقِيَّةِ الْمَسَافَةِ وَيَمْضِي عَلَى فِعْلِهِ (ثُمَّ يَرْجِعُ) مَرَّةً (ثَانِيَةً إنْ قَدَرَ فَيَمْشِي أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ) بِشَرْطَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ رَكِبَ كَثِيرًا أَوْ يَكُونَ رَكِبَ الْمَنَاسِكَ فَقَطْ، وَهِيَ أَفْعَالُ الْحَجِّ مِنْ حِينِ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى رُجُوعِهِ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مِنًى وَالْكَثْرَةُ بِحَسَبِ مَسَافَتِهِ. وَالشَّرْطِ الثَّانِي مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: إنْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ حِينَ رُجُوعِهِ وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ يَمْشِي أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ أَنَّهَا مَعْرُوفَةٌ لَهُ وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ بَلْ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ فِي رُجُوعِهِ أَنْ يَمْشِيَ الْجَمِيعَ، وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ، وَأَشَارَ إلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ إنْ قَدَرَ بِقَوْلِهِ: (فَإِذَا عَلِمَ) مَنْ أَلْزَمْنَاهُ الرُّجُوعَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ (أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ) عَلَى الْمَشْيِ إذَا رَجَعَ سَقَطَ عَنْهُ الرُّجُوعُ، وَ (قَعَدَ وَأَهْدَى) كَمَا لَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ مَعَ عَجْزِهِ فَإِنَّهُ يَرْكَبُ وَيُهْدِي، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ نَوَى أَنَّهُ لَا يَمْشِي إلَّا مَا لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي مَشْيِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُكَلَّفُ مَشْيُ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَيَرْكَبُ، وَلَوْ كَانَ شَابًّا وَيُهْدِي وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ. (وَقَالَ عَطَاءُ) بْنُ أَبِي رَبَاحٍ الْفَقِيهُ لَا الْمُحَدِّثُ (لَا يَرْجِعُ ثَانِيَةً، وَإِنْ قَدَرَ) عَلَى الْمَشْيِ فِي رُجُوعِهِ (وَيُجْزِئُهُ الْهَدْيُ) عَنْ الْمَشْيِ، وَهَذَا خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَرَجَعَ وَأَهْدَى إنْ رَكِبَ كَثِيرًا، وَإِذَا رَجَعَ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ مَشْيَهُ فِي مِثْلِ الْمُعَيَّنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيَّنَ شَيْئًا لَا بِلَفْظٍ، وَلَا نِيَّةٍ فَلَهُ الْمُخَالَفَةُ.

(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَإِنْ عَجَزَ إلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ يَرْجِعُ ثَانِيَةً وُجُوبُ الرُّجُوعِ، وَلَوْ كَانَ مَحَلُّهُ بَعِيدًا جِدًّا كَإِفْرِيقِيَّةَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَحَلُّ لُزُومِ الرُّجُوعِ ثَانِيَةً إنْ كَانَ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا مِنْ مَكَّةَ كَالْمِصْرِيِّ، وَمَنْ قَارَبَهُ لَا مَنْ بَعُدَ جِدًّا كَالْإِفْرِيقِيِّ، وَمَنْ يُقَارِبُهُ مِمَّنْ بَعُدَ عَنْ الْمِصْرِيِّ فَلَا يَلْزَمُهُ رُجُوعٌ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْهَدْيُ، كَمَا لَا يَلْزَمُ مَنْ رَكِبَ قَلِيلًا كَالْإِفَاضَةِ أَوْ كَانَ الْعَامَّ مُعَيِّنًا وَرَكِبَ جَمِيعَ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يُهْدِي، وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>