للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَوَافِرِ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ وَيَحِلُّ وَطْءُ الْكِتَابِيَّاتِ بِالْمِلْكِ وَيَحِلُّ وَطْءُ حَرَائِرِهِنَّ بِالنِّكَاحِ وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ إمَائِهِنَّ بِالنِّكَاحِ لِحُرٍّ وَلَا لِعَبْدٍ.

وَلَا تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا وَلَا عَبْدَ وَلَدِهَا، وَلَا الرَّجُلُ أَمَتَهُ وَلَا أَمَةَ وَلَدِهِ وَلَهُ أَنْ

ــ

[الفواكه الدواني]

الْإِشَارَةَ إلَى ذَلِكَ، وَلَمَّا كَانَ التَّلَذُّذُ بِشُبْهَةِ الْمِلْكِ يَحْصُلُ بِهِ التَّحْرِيمُ قَالَ: (أَوْ) يَتَلَذَّذُ مِنْهَا بِشُبْهَةِ (مِلْكٍ) كَأَنْ يَشْتَرِيَ أَمَةً وَيَتَلَذَّذَ مِنْهَا وَلَوْ بِقِبْلَةٍ ثُمَّ تُسْتَحَقَّ أَوْ يَظْهَرَ بِهَا عَيْبٌ فَيَرُدَّهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ أُصُولُهَا وَلَا فُرُوعُهَا، كَحُرْمَةِ أُصُولِ وَفُرُوعِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا بِتَلَذُّذِهِ بِهَا.

ثُمَّ شَرَعَ فِي مَفْهُومِ التَّلَذُّذِ وَالنِّكَاحِ أَوْ شُبْهَتِهِ أَوْ الْمِلْكِ أَوْ شُبْهَتِهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَحْرُمُ بِالزِّنَا حَلَالٌ) وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَلَوْ تَكَرَّرَ زِنَاهُ بِهَا لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِهِ أُصُولُهَا وَلَا فُرُوعُهَا، بَلْ يَحِلُّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُمِّهَا أَوْ ابْنَتِهَا الَّتِي لَمْ تَتَخَلَّقُ مِنْ مَائِهِ لِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى يَجُوزُ لِأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ نِكَاحُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ يَجُوزُ لَهُ بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا نِكَاحُهَا لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مُتَوَهَّمٍ وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ.

قَالَ سَحْنُونٌ؟ وَأَصْحَابُ مَالِكٍ كُلُّهُمْ عَلَيْهِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ إلَّا ابْنَ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ رَوَى فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَنْ زَنَى بِأُمِّ امْرَأَتِهِ فَإِنَّهُ يُفَارِقُهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُفَارَقَةِ هَلْ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ؟ قَالَ الْعَلَّامَةُ بَهْرَامُ: وَاخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ فِي الْمُعْتَمَدِ هَلْ هُوَ مَا فِي الْمُوَطَّإِ أَوْ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ؟ وَاخْتَصَرَ الْبَرَادِعِيُّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ عَنْ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَأَفْتَى بِالتَّحْرِيمِ إلَى أَنْ مَاتَ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى تَصْحِيحِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَجَمَاعَةٌ إلَى تَصْحِيحِ مَا فِي الْمُوَطَّإِ، وَوُجُوبِ التَّعْوِيلِ عَلَيْهِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ عَلَيْهِ كُلَّ الْأَصْحَابِ خَلَا ابْنَ الْقَاسِمِ، فَلِلَّهِ دَرُّ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الرَّاجِحِ الْمُوَافِقِ لِمَا فِي الْمُوَطَّإِ وَلَوْ ثَبَتَ رُجُوعُ الْإِمَامِ عَمَّا فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ الرَّاجِحُ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَهُوَ عَدَمُ نِسْبَةِ التَّحْرِيمِ بِالزِّنَا مَعَ رُجُوعِ الْإِمَامِ عَنْهُ؟ مَعَ أَنَّ الْمَرْجُوعَ عَنْهُ لَا يُنْسَبُ إلَى قَائِلِهِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ رَاجِحًا؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ أَصْحَابَهُ أَخَذَتْ مِنْ قَوَاعِدِهِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ فَصَارَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ مَذْهَبًا لِمَالِكٍ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ مُخَالِفًا لَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا يَسْتَنْبِطُهُ أَصْحَابُ الْإِمَامِ مِنْ قَوَاعِدِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ وَلَا تَكَلَّمَ بِهِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَسَائِلِ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ فِيهَا نَصٌّ، وَإِنَّمَا هِيَ مَنْقُولَةٌ عَنْ أَصْحَابِهِ وَتُنْسَبُ إلَى مَذْهَبِهِ كَغَالِبِ مَسَائِلِ الْإِقْرَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ وَالرَّضَاعِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالدِّينِ بِقَوْلِهِ: (وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) عَلَى الْمُسْلِمِ (وَطْءَ الْكَوَافِرِ) جَمْعُ كَافِرَةٍ (مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) كَالْمَجُوسِيَّاتِ وَالصَّابِئَاتِ وَعَابِدَاتِ الْأَوْثَانِ وَنَحْوِهِنَّ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ كِتَابٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: ٢٢١] فَإِنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالنَّهْيُ عَامٌّ فِي الْوَطْءِ (بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ) وَالْمُرَادُ بِالْوَطْءِ سَائِرُ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: (وَيَحِلُّ) لِلْمُسْلِمِ (وَطْءُ) الْإِمَاءِ (الْكِتَابِيَّاتِ بِالْمِلْكِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] (وَيَحِلُّ لَنَا) مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ (وَطْءُ حَرَائِرِهِنَّ) أَيْ الْكِتَابِيَّاتِ (بِالنِّكَاحِ) لِلْقَاعِدَةِ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ لَنَا وَطْءُ إمَائِهِمْ بِالْمِلْكِ يَجُوزُ لَنَا وَطْءُ حَرَائِرِهِمْ بِالنِّكَاحِ وَلَوْ يَهُودِيَّةً تَنَصَّرَتْ وَبِالْعَكْسِ، وَكَذَا الْمَجُوسِيَّةُ إذَا تَهَوَّدَتْ أَوْ تَنَصَّرَتْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهَا تُقَرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ.

قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: ٥] إلَى قَوْلِهِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: ٥] لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحْصَنَاتِ فِي الْآيَةِ الْحَرَائِرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُشْرِكَاتِ فِي آيَةِ: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: ٢٢١] غَيْرُ الْكِتَابِيَّاتِ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَمَّا تَشَرَّفَ أَهْلُ الْكِتَابِ بِتَمَسُّكِهِمْ بِالْكِتَابِ وَأَضَافَهُمْ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} [آل عمران: ٦٤] أُبِيحَتْ لَنَا نِسَاؤُهُمْ وَحَلَّ لَنَا طَعَامُهُمْ أَيْ ذَبَائِحُهُمْ (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِتَعْبِيرِهِ بِيَحِلُّ جَوَازُ نِكَاحِهِنَّ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْحِلِّ عَدَمَ الْحُرْمَةِ فَلَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ، وَمَشَى عَلَيْهَا خَلِيلٌ لِأَنَّهَا قَوْلُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمُحَرَّمِ: وَالْكَافِرَةُ إلَّا الْحُرَّةَ الْكِتَابِيَّةَ بِكُرْهٍ وَتَأَكَّدَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ نِكَاحُهَا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ أَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَلَا مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَلَا مِنْ الذَّهَابِ إلَى الْكَنِيسَةِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ عَلَى دِينِهَا، وَأَيْضًا رُبَّمَا تَمُوتُ وَهِيَ حَامِلٌ فَتُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَالْوَلَدُ الْكَائِنُ فِي بَطْنِهَا مَحْكُومٌ لَهُ بِالْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ مَظِنَّةُ الْمَوَدَّةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: ٢٢] الْآيَةَ، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ الْمِلْكِ فِي الْإِمَاءِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَحِلُّ) لَنَا (وَطْءُ إمَائِهِنَّ) أَيْ الْكِتَابِيَّاتِ (بِالنِّكَاحِ لِحُرٍّ وَلَا لِعَبْدٍ) وَالْمُرَادُ بِإِمَائِهِنَّ الْكَائِنَاتُ عَلَى دِينِهِنَّ، فَلَيْسَتْ الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى اللَّازِمِ، وَحُرْمَةُ نِكَاحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>