للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُخْتَبَرُ فِيهِ تِلْكَ السِّلْعَةُ أَوْ مَا تَكُونُ فِيهِ الْمَشُورَةُ

وَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِي الْخِيَارِ وَلَا فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ وَلَا فِي الْمُوَاضَعَةِ

ــ

[الفواكه الدواني]

بِنَافِي الظَّاهِرِ وَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِي الْخَفِيِّ.

وَمَا كَانَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ قَدْ يَكُونُ بَعْدَ اغْتِلَالِ الْمُشْتَرِي، نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعِلَّةَ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ رَدَّ الْمُبْتَاعُ عَبْدًا) مَثَلًا (بِعَيْبٍ قَدِيمٍ، وَ) الْحَالُ أَنَّهُ كَانَ (قَدْ اسْتَغَلَّهُ) قَبْلَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ وَرَضَاهُ أَوْ فِي زَمَنِ الْخِصَامِ (فَلَهُ غَلَّتُهُ) إلَى حِينِ فَسَخَ الْبَيْعَ بِرَدِّ الْمَبِيعِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَالْغَلَّةُ لَهُ لِلْفَسْخِ، وَالْمُرَادُ الْغَلَّةُ الَّتِي لَا يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهَا دَالًّا عَلَى الرِّضَا بِالسِّلْعَةِ الْمَعِيبَةِ، وَهِيَ الَّتِي تَنْشَأُ عَنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ كَلَبَنٍ وَصُوفٍ، أَوْ عَنْ تَحْرِيكٍ وَاسْتَوْفَاهَا قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ أَوْ بَعْدَهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهَا مُنْقِصًا كَسُكْنَى الدَّارِ فِي زَمَنِ الْخِصَامِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَالْغَلَّةُ لَهُ مِنْ غَيْرِ غَايَةٍ؛ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الرِّضَا فَلَا فَسْخَ لَهُ بَعْدَ اسْتِيفَائِهَا كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَاسْتِخْدَامِ الرَّقِيقِ الْمُنْقِصَيْنِ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي حَتَّى يَرُدَّ السِّلْعَةَ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهَا قَبْلَ الرَّدِّ مِنْهُ، وَمِثْلُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِالْفَسَادِ وَبِالِاسْتِحْقَاقِ وَأَخْذِهَا بِالشُّفْعَةِ أَوْ بِالْفَلَسِ، وَهَذَا فِي الْغَلَّةِ غَيْرِ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مُؤَبَّرَةً يَوْمَ الشِّرَاءِ.

وَكَذَا فِيهَا إنْ فَارَقَتْ الْأُصُولَ قَبْلَ رَدِّهَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى أُصُولِهَا فَيُفَصَّلُ فِيهَا بَيْنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَوْ الْفَسَادِ فَازَ بِهَا الْمُشْتَرِي إنْ كَانَتْ أَزْهَتْ. وَأَمَّا فِي الشُّفْعَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ فَيَفُوزُ بِهَا إنْ يَبِسَتْ، وَأَمَّا لَوْ رُدَّتْ بِتَفْلِيسٍ فَتُرَدُّ وَلَا يَفُوزُ بِهَا الْمُشْتَرِي إلَّا بِجَدِّهَا، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِاَلَّتِي لَمْ تَكُنْ مُؤَبَّرَةً يَوْمَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَبَّرَةَ يَوْمَ الشِّرَاءِ كَالْوَلَدِ وَالصُّوفِ التَّامِّ لَيْسَتْ بِغَلَّةٍ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَنْ ابْتَاعَ غُلَامًا وَأَقَامَ عِنْدَهُ مُدَّةً ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ وَجَاءَ بِهِ إلَى الرَّسُولِ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَقَالَ صَاحِبُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ اسْتَغَلَّ غُلَامِي، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَنَصَّ خَلِيلٌ عَلَى مَا تَخْرُجُ بِهِ السِّلْعَةُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَتَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ بِقَوْلِهِ: وَدَخَلَتْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ إنْ رَضِيَ بِالْقَبْضِ وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا بِالْفِعْلِ وَلَا مُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ قَبْضُهَا فِيهِ أَوْ ثَبَتَ مُوجِبُ الرَّدِّ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِالرَّدِّ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ غَائِبًا فَلَا تَنْتَقِلُ إلَى ضَمَانِهِ إلَّا بِالْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ وَيُسَمَّى خِيَارَ النَّقِيضَةِ، شَرَعَ فِي خِيَارِ التَّرَوِّي، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: بَيْعُ وَقْفٍ بَتَّهُ أَوَّلًا عَلَى إمْضَاءٍ يُتَوَقَّعُ فَيَخْرُجُ الْبَيْعُ اللَّازِمُ ابْتِدَاءً وَلَكِنْ يُؤَوَّلُ إلَى خِيَارٍ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ فَهَذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ بَتُّهُ أَوَّلًا وَيُسَمَّى خِيَارَ النَّقِيصَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا حَقِيقَتَهُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ فِيمَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ (وَالْبَيْعُ) الْمَدْخُولُ فِيهِ (عَلَى الْخِيَارِ) لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ أَجْنَبِيٍّ (جَائِزٌ) لِيَتَرَوَّى فِي أَخْذِ السِّلْعَةِ أَوْ رَدِّهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ مَا فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» وَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهِ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ شَذَّ بِمَنْعِهِ، وَخِيَارُ التَّرَوِّي عِنْدَنَا إنَّمَا يَكُونُ بِالشَّرْطِ كَمَا قَالَ خَلِيلٌ: إنَّمَا الْخِيَارُ بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَ مَالِكٍ كَالشَّرْطِ بِالْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَقِيلَ: إلَّا ابْنَ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا: بِأَنَّ التَّرَوِّيَ يَكُونُ بِالْمَجْلِسِ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ فَهْمُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» فَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ مِنْ الْمَجْلِسِ، وَحَمَلَهُ مَالِكٌ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْقَوْلِ وَيَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ إمَامُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ: إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ فَإِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ أَنَّ مَعْنَاهُ إلَّا بَيْعًا شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ، فَلَا يَنْقَضِي الْخِيَارُ بِالْمُفَارَقَةِ بَلْ يَبْقَى بِيَدِ مَنْ جُعِلَ لَهُ إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ وَلَوْ تَفَرَّقَا، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ بَعْدَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ: «الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» وَالْعَمَلُ عَنْهُ عَلَى خِلَافِهِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ مَالِكٌ الْعَمَلَ عَلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ آحَادٍ، وَعَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ.

وَأَشَارَ إلَى شَرْطِ الْجَوَازِ بِقَوْلِهِ: (إذَا ضَرَبَا لِذَلِكَ أَجَلًا) وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْخِيَارَ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْطِ أَوْ الْعَادَةِ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا لَهُمَا وَنِهَايَتُهُ (إلَى مَا تُخْتَبَرُ فِيهِ تِلْكَ السِّلْعَةُ) وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: إلَى مَا تُخْتَبَرُ فِيهِ تِلْكَ السِّلْعَةُ إلَى اخْتِلَافِ مُدَّتِهِ بِاخْتِلَافِ السِّلَعِ، وَلِذَلِكَ قَالَ خَلِيلٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: إنَّمَا الْخِيَارُ بِشَرْطٍ كَشَهْرٍ فِي دَارٍ وَلَا يَسْكُنُ وَكَجُمُعَةٍ فِي رَقِيقٍ وَاسْتَخْدَمَهُ، وَكَثَلَاثَةٍ فِي دَابَّةٍ وَكَيَوْمٍ لِرُكُوبِهَا فِي الْبَلَدِ وَلِرُكُوبِهَا فِي خَارِجِهَا يَكْفِي الْبَرِيدُ وَنَحْوُهُ، وَكَثَلَاثَةٍ فِي ثَوْبٍ أَوْ سَفِينَةٍ أَوْ كِتَابٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ وَلَا عَقَارٍ وَلَا رَقِيقٍ. وَأَمَّا نَحْوُ الدَّجَاجِ وَالطُّيُورِ وَبَقِيَّةِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَا عَمَلَ لَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ فِيهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِإِسْرَاعِ التَّغَيُّرِ لَهَا، فَتَكُونُ مُدَّةُ الْخِيَارِ فِيهَا مَا لَا تَتَغَيَّرُ فِيهِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهَا سَائِرُ الْفَوَاكِهِ وَالْأَطْعِمَةِ الَّتِي تَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ.

فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ رَطْبِ الْفَوَاكِهِ وَالْخُضَرِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ، فَإِنْ كَانَ النَّاسُ يُشَاوِرُونَ غَيْرَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَيَحْتَاجُونَ إلَى رَأْيِهِمْ فَلَهُمْ مِنْ الْخِيَارِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ مِمَّا لَا يَقَعُ فِيهِ تَغَيُّرٌ وَلَا فَسَادٌ. ثُمَّ عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ إلَى مَا تُخْتَبَرُ فِيهِ السِّلْعَةُ قَوْلَهُ: (أَوْ) إلَى (مَا تَكُونُ فِيهِ الْمَشُورَةُ) لِلْغَيْرِ حَيْثُ لَا تَزِيدُ مُدَّةُ الْمَشُورَةِ عَلَى مُدَّةِ الْخِيَارِ الْمَعْلُومَةِ لِتِلْكَ السِّلْعَةِ، وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا جَوَازَ إمْضَاءِ الْبَيْعِ عَلَى مَشُورَةِ الْغَيْرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَشُورَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>