الْبَائِعُ بِوَطْئِهَا، وَإِنْ كَانَتْ وَخْشًا وَلَا تَجُوزُ الْبَرَاءَةُ مِنْ حَمْلِهَا إلَّا حَمْلًا ظَاهِرًا.
وَالْبَرَاءَةُ فِي الرَّقِيقِ جَائِزَةٌ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ
ــ
[الفواكه الدواني]
لِثَمَنِهَا، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ غَلَبَةُ تَوَقُّعِ حَمْلِ مَنْ تَتَوَاضَعُ، وَنُدْرَةُ حَمْلِ غَيْرِهَا.
(تَنْبِيهٌ) . عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَخَلِيلٍ مَا يَمْتَنِعُ النَّقْدُ فِيهِ بِشَرْطٍ، وَهُوَ ثَمَانِ مَسَائِلَ وَيَجُوزُ تَطَوُّعًا، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَمْتَنِعُ النَّقْدُ فِيهِ مُطْلَقًا، وَهُوَ أَرْبَعُ مَسَائِلَ وَذَكَرَهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَمُنِعَ وَإِنْ بِلَا شَرْطٍ فِي مُوَاضَعَةٍ وَغَائِبٍ وَكِرَاءٍ ضَمِنَ وَسَلَّمَ بِخِيَارٍ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالضَّمَانُ زَمَنَ الْخِيَارِ بِقَوْلِهِ: (وَالنَّفَقَةُ) وَالْكِسْوَةُ عَلَى الْمَبِيعِ بِالْخِيَارِ أَوْ عَلَى الْعُهْدَةِ أَوْ الْمُوَاضَعَةِ. (فِي ذَلِكَ) الزَّمَنِ الْوَاقِعِ فِي تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ. (وَالضَّمَانُ) كِلَاهُمَا (عَلَى الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ عَلَى مِلْكِهِ فِي أَزْمِنَةِ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ.
قَالَ خَلِيلٌ فِي الْخِيَارِ: وَالْمِلْكُ لِلْبَائِعِ، وَمَا يُوهَبُ لِلْعَبْدِ سِوَى الْمُسْتَثْنَى مَالُهُ، وَالنَّفَقَةُ وَالْأَرْشُ وَالْغَلَّةُ لِلْبَائِعِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ النَّمَاءُ عَلَيْهِ التَّوَاءُ أَيْ الْهَلَاكُ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَإِنَّمَا يَضْمَنُهُ الْبَائِعُ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ كَذِبُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ أَوْ ضَيَاعِهِ، وَكَذَا إنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ كَثَوْبٍ أَوْ كِتَابٍ إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِلْمُشْتَرِي عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ تَلَفٍ أَوْ ضَيَاعٍ، وَإِلَّا كَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُ الْمُشْتَرِي وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ، وَلَوْ غَيْرَ مُتَّهَمٍ، وَصِفَةُ يَمِينِهِ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا أَنْ يَقُولَ: لَقَدْ ضَاعَتْ فِي دَعْوَى الضَّيَاعِ، أَوْ تَلِفَتْ فِي دَعْوَى التَّلَفِ، وَمَا فَرَّطْت، وَغَيْرُ الْمُتَّهَمِ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ مَا فَرَّطْت، وَأَمَّا مَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُهُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ حَلَفَ، وَلَا يَنْفِي عَنْهُ الضَّمَانَ إلَّا شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ.
١ -
(فَرْعَانِ) الْأَوَّلُ: قَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ: وَإِذَا اشْتَرَى رَجُلَانِ دَابَّتَيْنِ عَلَى خِيَارٍ فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهَا مَاتَتْ بِمَوْضِعِ كَذَا، فَقَالَ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ: لَمْ يَمُتْ عِنْدَنَا إلَّا وَاحِدَةٌ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُصَدَّقٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا صَادِقٌ قَطْعًا وَالْآخَرُ يَضْمَنُ بِالشَّكِّ، وَقَالَ غَيْرُ مَنْ سَبَقَ: يَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ، وَصَوَّبَ عَبْدُ الْحَقِّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَضْمَنُ نِصْفَ دَابَّتِهِ وَيَبْرَأُ مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي.
١ -
وَالْفَرْعُ الثَّانِي: لَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ شَيْئًا بِخِيَارٍ فَادَّعَى الْمُبْتَاعُ أَنَّهُ هَلَكَ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ وَقَالَ الْبَائِعُ بَعْدَ أَيَّامِ الْخِيَارِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ يُتَّهَمُ عَلَى إرَادَةِ نَقْضِ الْبَيْعِ، وَهَذَا إنْ تَصَادَقَا عَلَى انْقِضَاءِ أَيَّامِ الْخِيَارِ، وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فِي انْقِضَائِهَا فَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ الِانْقِضَاءَ وَالْمُشْتَرِي الْبَقَاءَ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ التَّقَضِّي، وَهُوَ الْمُشْتَرِي.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ تَجِبُ مُوَاضَعَتُهَا مِنْ الْجَوَارِي بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّمَا) يَجِبُ أَنْ (يَتَوَاضَعَ) أَيْ يُوضَعَ (لِلِاسْتِبْرَاءِ الْجَارِيَةُ) الْعَلِيَّةُ هِيَ (الَّتِي) تُرَادُ (لِلْفِرَاشِ فِي الْأَغْلَبِ) سَوَاءٌ أَقَرَّ بَائِعُهَا بِوَطْئِهَا أَمْ لَا. (أَوْ الَّتِي أَقَرَّ الْبَائِعُ بِوَطْئِهَا، وَإِنْ كَانَتْ وَخْشًا) قَالَ خَلِيلٌ: وَتَتَوَاضَعُ الْعَلِيَّةُ أَوْ وَخْشٌ أَقَرَّ بَائِعُهَا بِوَطْئِهَا عِنْدَ مَنْ يُؤْمَنُ وَالشَّأْنُ لِلنِّسَاءِ، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْبَيَانِ أَنْ تُوضَعَ الْجَارِيَةُ عَلَى يَدِ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ لَهُ أَهْلٌ حَتَّى تُعْرَفَ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا مِنْ الْحَمْلِ بِحَيْضَةٍ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ، وَبِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إنْ كَانَتْ يَائِسَةً مِنْ الْحَيْضِ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا، بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، أَمِنَتْ الْحَمْلَ أَمْ لَا، وَيُنْدَبُ أَنْ تَكُونَ عَلَى يَدِ النِّسَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مَأْمُونٍ لَهُ أَهْلٌ، وَيُنْهَى عَنْ كَوْنِهَا عَلَى يَدِ أَحَدِهِمَا نَهْيَ كَرَاهَةٍ إنْ كَانَ مَأْمُونًا، وَحُرْمَةٍ إنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ، وَيُكْتَفَى بِامْرَأَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ، وَإِنْ دَخَلَا عَلَى إسْقَاطِهَا لَمْ يَفْسُدْ الْبَيْعُ وَلَكِنْ يُجْبَرَانِ عَلَيْهَا، وَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ زَمَنَ الْمُوَاضَعَةِ كَانَ عَيْبًا فِي الْعَلِيَّةِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي رَدِّهَا وَالتَّمَاسُكِ بِهَا إنْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ، وَأَمَّا مِنْهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ يُفْسَخُ بَيْعُهَا، وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْوَخْشَ الَّتِي لَمْ يُقِرَّ بَائِعُهَا بِوَطْئِهَا لَا مُوَاضَعَةَ فِيهَا، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ قَبْلَ وَطْئِهِ. وَيُقَالُ لَهُ الِاسْتِبْرَاءُ الْمُجَرَّدُ عَنْ الْمُوَاضَعَةِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِي زَمَنِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي.
(تَنْبِيهٌ) يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِنَّمَا يَتَوَاضَعُ إلَخْ مَا أَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَلَا مُوَاضَعَةَ فِي مُتَزَوَّجَةٍ وَحَامِلٍ، وَمُعْتَدَّةٍ وَزَانِيَةٍ كَالْمَرْدُودَةِ بِعَيْبٍ أَوْ فَسَادٍ أَوْ إقَالَةٍ إنْ لَمْ يَغِبْ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا لَوْ غَابَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَرْدُودَةِ بِمَا ذَكَرَ فَفِيهَا الْمُوَاضَعَةُ، لَكِنْ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي الْمَرْدُودَةِ بِالْعَيْبِ وَالْإِقَالَةِ إنْ كَانَ الرَّدُّ بِهِمَا بَعْدَ دُخُولِهَا فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَجَبَتْ فِيهَا الْمُوَاضَعَةُ، وَإِنْ كَانَ الرَّدُّ بِهِمَا قَبْلَ دُخُولِهَا فِي ضَمَانِهِ فَلَا مُوَاضَعَةَ. (وَلَا تَجُوزُ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْحَمْلِ) الَّذِي يَتَوَقَّعُ ظُهُورُهُ فِي الْأَمَةِ الْعَلِيَّةِ بَعْدَ اشْتِرَائِهَا (إلَّا حَمْلًا ظَاهِرًا) وَقْتَ الْعَقْدِ فَيَجُوزُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الْمَالِكِ أَمَةً عَلِيَّةً، وَيُشْتَرَطُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ حَمْلِهَا بِحَيْثُ لَا رَدَّ لَهُ بِسَبَبِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ حَمْلُهَا ظَاهِرًا وَقْتَ الْعَقْدِ لَجَازَ التَّبَرِّي مِنْ حَمْلِهَا لِدُخُولِ الْمُشْتَرِي عَلَى ذَلِكَ، كَمَا يَجُوزُ التَّبَرِّي مِنْ حَمْلِ الْوَخْشِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَلِيَّةِ لَا يَجُوزُ التَّبَرِّي مِنْ حَمْلِهَا غَيْرِ الظَّاهِرِ وَبَيْنَ الْوَخْشِ يَجُوزُ التَّبَرِّي مِنْ حَمْلِهَا مُطْلَقًا؟ قُلْت: الْفَرْقُ أَنَّ الْحَمْلَ يَضَعُ مِنْ حَمْلِ الْعَلِيَّةِ كَثِيرًا فَهُوَ غَرَرٌ وَعَيْبٌ، بِخِلَافِ الْوَخْشِ الْحَمْلُ يُوجِبُ الرَّغْبَةَ