للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَائِعُ.

وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا فِي الْبَيْعِ حَتَّى يُثْغِرَ.

وَكُلُّ بَيْعٍ فَاسِدٍ فَضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُبْتَاعُ فَضَمَانُهُ مِنْ

ــ

[الفواكه الدواني]

فِيهَا.

فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الظَّاهِرِ وَالْخَفِيِّ فِي الْعَلِيَّةِ حَيْثُ يَجُوزُ التَّبَرِّي مِنْ الظَّاهِرِ دُونَ الْخَفِيِّ؟ فَالْجَوَابُ: وُجُودُ الْغَرَرِ فِي الْخَفِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَرَدَّدُ فِي وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ، بِخِلَافِ الظَّاهِرِ الْمُشْتَرِي جَازِمٌ بِوُجُودِهِ، وَمَحَلُّ جَوَازِ التَّبَرِّي مِنْ الْحَمْلِ الظَّاهِرِ مُطْلَقًا، وَالْخَفِيِّ فِي الْوَخْشِ فَقَطْ أَنْ لَا يَكُونَ الْبَائِعُ قَدْ وَطِئَهَا وَلَمْ يَسْتَبْرِئْهَا، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ التَّبَرِّي مِنْ حَمْلِهَا، وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَمْلِهَا مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا لِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّبَرِّي مِنْ حَمْلٍ يَلْزَمُهُ، وَمَحَلُّ جَوَازِ التَّبَرِّي مِنْ حَمْلِهَا الظَّاهِرِ أَنْ لَا يَمْضِيَ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَإِلَّا امْتَنَعَ بَيْعُهَا بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا حَامِلٌ مُقَرَّبٌ لَا يَحِلُّ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهَا مَرِيضَةٌ وَالْمُحَرَّمُ إذَا قَوِيَ مَرَضُهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ ذَاتِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: لَا كَمُحَرَّمٍ أَشْرَفَ إلَى أَنْ قَالَ: وَحَامِلٌ مُقَرَّبٌ، وَالْأَصْلُ فِي الْمَمْنُوعِ الْفَسَادُ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ بَيْعِ الْأَمَةِ مَعَ التَّبَرِّي مِنْ حَمْلِهَا وَسَكَتَ عَنْ بَيْعِ الذَّاتِ بِشَرْطِ حَمْلِهَا، وَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَكَحَامِلٍ بِشَرْطِ الْحَمْلِ تَشْبِيهٌ فِي الْفَسَادِ، وَمَحَلُّ الْفَسَادِ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ إذَا كَانَ اشْتِرَاطُهُ لِقَصْدِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ؛ لِكَوْنِ الْحَمْلِ يَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْحَمْلِ ظَاهِرًا أَوْ خَفِيًّا؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ إنْ لَمْ يَظْهَرْ، وَمِنْ بَيْعِ الْأَجِنَّةِ إنْ كَانَ ظَاهِرًا، وَهَذَا تَسْتَوِي فِيهِ الْأَمَةُ وَالْبَهِيمَةُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْقَصْدُ مِنْ اشْتِرَاطِ حَمْلِهَا التَّبَرِّي مِنْهُ فَلَا فَسَادَ عَلَى الْمُرْتَضِي مِنْ الْخِلَافِ، وَهَذَا وَاضِحٌ إذَا صُرِّحَ بِالْقَصْدِ أَوْ فُهِمَ مِنْ الْحَالِ قَصْدُهُ، وَأَمَّا بَيْعُهَا بِشَرْطِ الْحَمْلِ وَلَمْ يُصَرَّحْ بِقَصْدِهِ وَلَا فُهِمَ مِنْ الْحَالِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَا يَكْثُرُ قَصْدُ النَّاسِ إلَيْهِ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ فِي الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ، وَيُمْكِنُ جَرَيَانُهُ فِي الرَّقِيقِ إذَا كَانَ حَمْلُهُ يَزِيدُ فِي ثَمَنِهِ، فَإِنْ كَانَ يَنْقُصُ فِيهِ الثَّمَنُ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى قَصْدِ التَّبَرِّي، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى فِي عَدَمِ الْجَوَازِ بَيْعُهَا مَعَ اسْتِثْنَاءِ جَنِينِهَا أَوْ بَيْعِ جَنِينِهَا وَحْدَهُ.

الثَّانِي: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: إلَّا حَمْلًا ظَاهِرًا بِالنَّصْبِ هَذَا مَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي الْحَمْلِ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَّا حَمْلٍ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الْحَمْلِ الْمَجْرُورِ بِمِنْ، وَهُوَ الْأَوْلَى فِي الْمُسْتَثْنَى بَعْدَ النَّفْيِ أَوْ شَبَهِهِ.

وَلَمَّا كَانَ التَّبَرِّي مِنْ عَيْبِ الْمَبِيعِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الرَّقِيقِ قَالَ: (وَالْبَرَاءَةُ فِي الرَّقِيقِ) فَقَطْ (جَائِزَةٌ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ) بِهِ (الْبَائِعُ) مِنْ الْعُيُوبِ، وَهَذَا أَحَدُ شَرْطَيْنِ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ تَطُولَ إقَامَةُ الرَّقِيقِ عِنْدَ الْبَائِعِ.

قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ: وَتَبَرِّي غَيْرِهِمَا فِيهِ مِمَّا لَمْ يُعْلَمْ إنْ طَالَتْ إقَامَتُهُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ رَقِيقٌ طَالَتْ إقَامَتُهُ عِنْدَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ عَيْبًا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَتَبَرَّأَ مِنْ عُيُوبِهِ، بِأَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى مُشْتَرِيهِ عَدَمَ رَدِّهِ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ يَظْهَرُ كَإِبَاقٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا حَيْثُ طَالَتْ إقَامَتُهُ عِنْدَهُ، بِحَيْثُ لَوْ كَانَ بِهِ هَذَا الْعَيْبُ لَظَهَرَ، فَأَمَّا إنْ عَلِمَ بِعَيْبِهِ أَوْ لَمْ تَطُلْ إقَامَتُهُ عِنْدَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّبَرِّي مِنْ عَيْبِهِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إنْ عَلِمَ بِهِ عَيْبًا أَنْ يُبَيِّنَهُ لِلْمُشْتَرِي.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِذَا عَلِمَهُ بَيَّنَ أَنَّهُ بِهِ وَوَصَفَهُ أَوْ أَرَاهُ لَهُ وَلَمْ يَحْمِلْهُ فَالظَّاهِرُ كَالْعَوَرِ وَالْقَطْعِ يُرِيهِ لَهُ، وَنَحْوِ الْإِبَاقِ وَالسَّرِقَةِ يَصِفُهُ وَصْفًا شَافِيًا بَعْدَ بَيَانِ أَنَّهُ بِهِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: يَأْبَقُ أَوْ يَسْرِقُ وَبَعْدَ ذَلِكَ يُفَصِّلُ لَهُ بِأَنْ يَقُولَ: أَبَقَ عِنْدِي مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ سَرَقَ مِرَارًا الْأَمْرُ الْفُلَانِيُّ كَذَا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ رُبَّمَا يَغْتَفِرُ سَرِقَةَ نَحْوِ الرَّغِيفِ، وَلَا يَكْفِي الْإِجْمَالُ بِأَنْ يَقُولَ فِيهِ جَمِيعُ الْعُيُوبِ، وَوَقَعَ التَّرَدُّدُ فِيمَا إذَا قَالَ: إنَّهُ سَارِقٌ وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يَنْفَعُهُ فِي الْبَرَاءَةِ مِنْ يَسِيرِ السَّرِقَةِ دُونَ الْمُتَفَاحِشِ وَعَلَيْهِ الْبِسَاطِيُّ وَالنَّقْلُ يُوَافِقُهُ أَوْ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَلَا فِي الْيَسِيرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِجْمَالِ، وَعَلَيْهِ بَعْضُ الْمُعَاصِرِينَ لَهُ، وَالظَّاهِرُ الرُّجُوعُ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فِي الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: إنَّمَا قَيَّدْنَا بِفَقَطْ كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ التَّبَرِّي مِنْ الْعُيُوبِ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْأَرِقَّاءِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ يُمْكِنُهُ التَّحَيُّلُ بِكَتْمِ عُيُوبِهِ أَوْ بَعْضِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ تَحَيُّلٌ، فَلِذَا لَا يَجُوزُ لِبَائِعِ نَحْوِ الْجَمَلِ أَوْ الثَّوْرِ أَوْ الْحِمَارِ التَّبَرِّي مِنْ عَيْبِهِ، بَلْ مَتَى مَا ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ وَثَبَتَ قِدَمُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْعَقْدِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فِي رَدِّهِ وَلَوْ تَبَرَّأَ مِنْهُ الْبَائِعُ، كَمَا لَا يَجُوزُ التَّبَرِّي مِنْ عُيُوبِ الرَّقِيقِ الَّذِي لَمْ تَطُلْ إقَامَتُهُ عِنْدَهُ، وَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّقِيقَ مُبَاعٌ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَدْفُوعُ قَرْضًا فَلَا يَجُوزُ لِمُقْرِضِهِ أَنْ يَتَبَرَّأَ لِلْمُقْتَرِضِ مِنْ عُيُوبِهِ لِأَدَائِهِ إلَى سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا خِلَافًا لِمَنْ عَمَّمَ فِي الرَّقِيقِ.

الثَّانِي: هَذَا الْكَلَامُ فِي الْبَائِعِ الْبَالِغِ وَلَوْ حَاكِمَا أَوْ وَارِثًا؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْحَاكِمِ وَالْوَارِثِ الرَّقِيقِ بَيْعُ بَرَاءَةٍ إنْ بَيَّنَ أَنَّهُ إرْثٌ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَمُنِعَ مِنْهُ بَيْعُ حَاكِمٍ وَوَارِثٍ رَقِيقًا فَقَطْ بَيَّنَ أَنَّهُ إرْثٌ، وَأَمَّا غَيْرُ الْبَائِعِ فَلَا يُعْتَبَرُ عِلْمُهُ، وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ فَائِدَةَ التَّبَرِّي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا رَدَّ لَهُ بِظُهُورِ الْعَيْبِ الَّذِي تَبَرَّأَ مِنْهُ الْبَائِعُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ.

وَمِنْ الْبِيَاعَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) يَجُوزُ أَيْ يَحْرُمُ أَنْ (يُفَرَّقَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ الظَّرْفُ أَعْنِي (بَيْنَ الْأُمِّ) الْعَاقِلَةِ (وَ) بَيْنَ (وَلَدِهَا فِي الْبَيْعِ) ، وَمَا شَابَهَهُ مِنْ كُلِّ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَيَشْمَلُ كَلَامُهُ: لَوْ دَفَعَ الْوَلَدُ أَوْ الْأُمُّ أُجْرَةً أَوْ صَدَاقًا أَوْ وُهِبَ أَحَدُهُمَا لِلثَّوَابِ، وَالْمُرَادُ الْأُمُّ دُنْيَةً وَلِذَا قَالَ خَلِيلٌ:

<<  <  ج: ص:  >  >>