للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اجْعَلْنِي مِنْ أَعْظَمِ عِبَادِك عِنْدَك حَظًّا وَنَصِيبًا فِي كُلِّ خَيْرٍ تَقْسِمُهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ نُورٍ تَهْدِي بِهِ أَوْ رَحْمَةٍ تَنْشُرُهَا أَوْ رِزْقٍ تَبْسُطُهُ أَوْ ضُرٍّ تَكْشِفُهُ أَوْ ذَنْبٍ تَغْفِرُهُ أَوْ شِدَّةٍ تَدْفَعُهَا أَوْ فِتْنَةٍ تَصْرِفُهَا أَوْ مُعَافَاةٍ تَمُنُّ بِهَا بِرَحْمَتِك إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»

وَمِنْ دُعَائِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ النَّوْمِ أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَالْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يَقُولُ «اللَّهُمَّ بِاسْمِك وَضَعْت جَنْبِي وَبِاسْمِك أَرْفَعُهُ اللَّهُمَّ إنْ أَمْسَكْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا وَإِنْ أَرْسَلْتهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِك اللَّهُمَّ إنِّي أَسْلَمْت نَفْسِي إلَيْك وَأَلْجَأْت ظَهْرِي إلَيْك وَفَوَّضْت أَمْرِي إلَيْك وَوَجَّهْت وَجْهِي إلَيْك رَهْبَةً مِنْك وَرَغْبَةً إلَيْك لَا مَنْجَا وَلَا مَلْجَأَ مِنْك إلَّا إلَيْك أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك آمَنْت بِكِتَابِك

ــ

[الفواكه الدواني]

طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَالْمَطْلُوبُ فِي الْمَسَاءِ الْأَحْسَنُ فِعْلُهُ عِنْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ أَوْ قُرْبِهِ يَسِيرًا، وَبَعْدَهُ إلَى النَّوْمِ وَالسَّحَرُ وَقْتُ الْمُنَاجَاةِ، وَكَذَا عِنْدَ النَّوْمِ وَالِانْتِبَاهِ فِي اللَّيْلِ وَالِاسْتِيقَاظِ لِلْفَجْرِ. وَعَدَّ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي الْأَوْقَاتِ الْمُسْتَحَبِّ فِيهَا عِنْدَ صِيَاحِ الدِّيَكَةِ بِاللَّيْلِ، وَعِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ، وَعِنْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَبَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَإِثْرَ كُلِّ صَلَاةٍ وَخُصُوصًا الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَقَدَّمْنَا قَبْلَ هَذَا الْمَوْضُوعِ مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ.

(وَرُوِيَ) عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الصَّبَاحِ (مَعَ ذَلِكَ) الدُّعَاءَ الْمُتَقَدِّمَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَعْظَمِ) أَيْ أَوْفَرِ وَأَكْبَرِ (عِبَادِكَ عِنْدَكَ حَظًّا وَنَصِيبًا) تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ (فِي كُلِّ خَيْرٍ تَقْسِمُهُ) أَيْ تُيَسِّرُهُ وَتُنْجِزُهُ لَنَا، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا تَقْسِمُهُ بِتُيَسِّرُهُ لِأَنَّ تَقْسِيمَ الْأَشْيَاءِ وَتَقْدِيرَهَا حَاصِلٌ فِي الْأَزَلِ، لَا يَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةِ الصَّلَاحِ وَلَا يَنْقُصُ بِعِصْيَانٍ (فِي هَذَا الْيَوْمِ وَفِيمَا بَعْدَهُ) وَبَيَّنَ ذَلِكَ الْخَيْرَ بِقَوْلِهِ: (مِنْ نُورٍ تَهْدِي بِهِ) أَيْ تُرْشِدُ بِهِ إلَى الطَّاعَةِ وَفِعْلِ الْخَيْرِ. (أَوْ) مِنْ (رَحْمَةٍ تَنْشُرُهَا) أَيْ تَبْسُطُهَا عَلَيْنَا. (أَوْ) مِنْ (رِزْقٍ تَبْسُطُهُ) أَيْ وَاسِعٍ تُنَعِّمُنَا بِهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الرِّزْقُ الْحَلَالُ لِأَنَّهُ الَّذِي يَجُوزُ طَلَبُهُ، وَإِنْ كَانَ جَمِيعُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْحَيَوَانُ يُسَمَّى رِزْقًا وَلَوْ مِنْ حَرَامٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. (أَوْ ضُرٍّ تَكْشِفُهُ أَوْ ذَنْبٍ تَغْفِرُهُ) أَيْ تَسْتُرُهُ. فَإِنْ قِيلَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْصُومٌ مِنْ الذُّنُوبِ فَكَيْفَ يَقُولُ: أَوْ ذَنْبٍ تَغْفِرُهُ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ: وَجَوَابٌ آخَرُ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ شَفَقَةً عَلَى أُمَّتِهِ وَدُعَاءً لِأُمَّتِهِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَى حَدِّ: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف: ٨١] (أَوْ شِدَّةٍ) أَيْ كُرْبَةٍ تَحْصُلُ (تَدْفَعُهَا أَوْ فِتْنَةٍ) تَحْصُلُ وَهِيَ كُلُّ مَا يُشْغِلُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى (تَصْرِفُهَا) أَيْ تُبْعِدُهَا عَنَّا (أَوْ مُعَافَاةٍ) سَلَامَةٍ (تَمُنُّ بِهَا) عَلَيْنَا (بِرَحْمَتِك) أَيْ بِفَضْلِك وَإِحْسَانِك لَا بِالْجَوَابِ وَلَا بِالْإِيجَابِ لِأَنَّك الْفَاعِلُ بِالِاخْتِيَارِ، وَ (إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) مِنْ الْمُمْكِنَاتِ (قَدِيرٌ) وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَقْفَهْسِيُّ: إنَّ هَذَا الْمَرْوِيَّ حَدِيثٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ اخْتِصَاصُهُ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ لِمُجَرَّدِ الْجَوَازِ فَيَطْلُبُ مِنَّا فِعْلَهُ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، بِخِلَافِ مَا ثَبَتَ اخْتِصَاصُهُ بِهِ كَنِكَاحِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، وَبِخِلَافِ مَا فَعَلَهُ لِمُجَرَّدِ الْجَوَازِ كَالِاقْتِصَارِ فِي الْوُضُوءِ عَلَى غَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَحْرُمُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي الْأَوَّلِ، وَيُكْرَهُ الثَّانِي لِغَيْرِ الْعَالِمِ كَمَا تَقَدَّمَ.

(وَمِنْ دُعَائِهِ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ عِنْدَ) إرَادَةِ (النَّوْمِ) عَلَى مَا خَرَّجَهُ مَنْ تَقَيَّدَ بِنَقْلِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (أَنَّهُ كَانَ) يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَ (يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَ) يَدَهُ (الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يَقُولُ) مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِسِرٍّ وَلَا جَهْرٍ: (اللَّهُمَّ بِاسْمِك) أَيْ بِقُدْرَتِك (وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِاسْمِك أَرْفَعُهُ اللَّهُمَّ إنْ أَمْسَكْت نَفْسِي) أَيْ قَبَضْتَهَا قَبْضَ وَفَاةٍ. (فَاغْفِرْ لَهَا وَإِنْ أَرْسَلْتهَا) أَيْ أَطْلَقْتهَا عِنْدَ النَّوْمِ وَرَدَدْتهَا إلَى جَسَدِهَا. (فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِك) وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرُّوحَ تَخْرُجُ مِنْ الْبَدَنِ عِنْدَ النَّوْمِ وَتَعُودُ إلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ هَكَذَا قَالَ بَعْضٌ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الرُّوحَ وَاحِدَةٌ، وَعِنْدِي وَقْفَةٌ فِي بَقَاءِ الْجَسَدِ حَيًّا بَعْدَ خُرُوجِ الرُّوحِ مِنْهُ، وَأَمَّا عَلَى مَا قَالَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ أَنَّ الْجَسَدَ فِيهِ رُوحَانِ: رُوحُ الْحَيَاةِ وَهِيَ الَّتِي يَمُوتُ بِمُفَارَقَتِهَا، وَرُوحُ الْيَقَظَةِ وَهِيَ الَّتِي يَنَامُ عِنْدَ خُرُوجِهَا وَيَكُونُ مُسْتَيْقِظًا بِوُجُودِهَا فَلَا إشْكَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ.

وَفِي قَوْلِهِ: بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ الْإِشَارَةُ إلَى مَزِيَّةِ الصَّالِحِينَ مِنْ الْإِنْسِ وَغَيْرِهِمْ. (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْلَمْت نَفْسِي) أَيْ ذَاتِي (إلَيْك) لِأَنِّي لَا قُدْرَةَ لِي عَلَى تَدْبِيرِهَا وَلَا عَلَى جَلْبِ نَافِعٍ لَهَا وَلَا دَفْعِ ضُرٍّ عَنْهَا. (وَأَلْجَأْت ظَهْرِي إلَيْك) أَيْ أَسْنَدْته إلَيْك لِيَتَقَوَّى بِك، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ اسْتَنَدَ إلَى شَيْءٍ يَتَقَوَّى بِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِاسْتِنَادَ الْحِسِّيَّ لِاسْتِحَالَتِهِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَكَنَّى بِالظَّهْرِ عَنْ نَفْسِهِ. (وَفَوَّضْت) أَيْ وَكَّلْت (أَمْرِي إلَيْك وَوَجَّهْت وَجْهِي إلَيْك) بِكُلِّيَّتِي وَذَاتِي وَالْمَعْنَى: قَصَدْتُك يَا اللَّهُ دُونَ غَيْرِك بِالْعِبَادَةِ، وَخَصَّ الْوَجْهَ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْجَسَدِ (رَهْبَةً) أَيْ خَوْفًا (مِنْك وَرَغْبَةً إلَيْك) فِي نَيْلِ عَطَائِك (لَا مَنْجَا) بِالْقَصْرِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ أَيْ لَا مَهْرَبَ مِنْك. (وَلَا مَلْجَأَ) بِالْهَمْزَةِ أَيْ مَرْجِعَ (مِنْك)

<<  <  ج: ص:  >  >>