للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا لتوحيد الله، وألانشرك به شيئا، ونخلع ما كنّا نعبد من الأصنام، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وأمرنا بالصلاة والصيام.. وعدّد عليه أمور الإسلام. قال جعفر: فامنا به، وصدقناه، وحرّمنا ما حرم علينا، وحللنا ما أحل لنا، فتعدّى علينا قومنا فعذّبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردّونا إلى عبادة الأوثان، فلما قهرونا وظلمونا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورجونا ألانظلم عندك ...

فقال النجاشيّ: هل معك ممّا جاء به عن الله شيء؟ قال: نعم. فقرأ عليه صدرا من سورة مريم، فبكى النجاشيّ وأساقفته، وقال النجاشيّ: «إنّ هذا والذي جاء به عيسى يخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، والله لا أسلمهم إليكما أبدا» يخاطب عمرو بن العاص وصاحبه- فخرجا، وقال عمرو لعبد الله بن أبي ربيعة: والله لاتينّه غدا بما يبيد خضراءهم.

فلما كان الغد قال للنجاشيّ: إنّ هؤلاء يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما. فأرسل النجاشيّ يسألهم عن قولهم في المسيح. فقال جعفر: نقول فيه الذي جاءنا به نبينا، هو عبد الله ورسوله وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول.

فأخذ النجاشي عودا من الأرض وقال: ما عدا عيسى ما قلت قدر هذا العود «١» ، فنخرت بطارقته! فقال: وإن نخرتم! وقال للمسلمين: اذهبوا فأنتم امنون، ما أحبّ أنّ لي جبلا من ذهب، وأنني اذيت رجلا منكم! وردّ هدية قريش، وقال: ما أخذ الله الرشوة مني حتى اخذها منكم، ولا أطاع الناس فيّ حتى أطيعهم فيه «٢» ، وأقام المسلمون عنده بخير دار.


(١) اختلف النصارى قديما في طبيعة المسيح على مذاهب شتى. وكان هناك مذهب يقوم على اعتباره بشرا مرسلا، وليس إلها ولا ندا لله. ولا يزال في الغرب المسيحي أناس يعتنقون هذا المذهب الموحّد، ونعتقد أنّ نجاشيّ الحبشة على هذا الرأي. وإن كان بطارقة الكنيسة يستنكرونه أشدّ الاستنكار.
(٢) أخرج هذه القصة محمد بن إسحاق في المغازي: (١/ ٢١١- ٢١٣، من ابن هشام) ؛-

<<  <   >  >>