للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخاصّة والعامّة، واستنزل تأييد الله على أبر ما فيها وأنقاه، كما استنزل غضبه على من يخون ويغش.

واتفق المسلمون واليهود على الدفاع عن يثرب إذا هاجمها عدو، وأقرت حرية الخروج من المدينة لمن يبتغي تركها، والقعود فيها لمن يحفظ حرمتها.

ويلاحظ أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه المعاهدة أشار إلى العداوة القائمة بين المسلمين ومشركي مكة، وأعلن رفضه الحاسم لموالاتهم، وحرّم إسداء أي عون لهم، وهل ينتظر إلا هذا الموقف من قوم لا تزال جروحهم تقطر دما لبغي قريش وأحلافها عليهم؟.

أكان اليهود صادقين في موافقتهم على هذا العهد؟.

أغلب الظنّ أنهم لم يكونوا جادّين حين ارتضوه وقبلوا إنفاذه.

وافة العهود أن يرتبط الوفاء بها بمدى المنفعة المرجوّة منها، فإذا بدا أن المعاهدة المبرمة لا تحقّق المطامع المبتغاة، قلّ التمسك بها، والتمست الفرص للتحلل منها.

وقد كان اليهود يبنون عظمتهم المادية والسياسية على تفرّق العرب، قبائل متناحرة، فلمّا دخل العرب في الإسلام، وأخذت الحزازات القديمة تتلاشى، وتتابعت الأيام تؤكّد أنّ الإسلام سوف يصنع من العرب أمة واحدة.. استشعر اليهود القلق، وساورتهم الهموم، وشرعوا يفكّرون في الكيد لهذا الدين، والتربص بأتباعه.

ثم إنّ اليهود في المدينة يكوّنون البيئة التي تتوافر فيها سوات التدين المصنوع، والاحتراف السمج بمبادئ السماء، وأبرز خلال هذه البيئات الحقد، والنفاق، والتمسّك بالقشور والولع بالجدل، ومن وراء ذلك قلوب خربة، ونفوس معوجّة.

وربما اقتبسوا من جوارهم للعرب بعض فضائل الصحراء كالكرم والشجاعة، بيد أنّ انطواءهم العنصريّ غلب على سيرتهم، فالتصقت هذه الفضائل بنفوسهم كما تلتصق أوراق الزينة بالجدران المشوهة.

وكان المتوقع أن يرحّب اليهود بالإسلام، فإذا لم يرحّبوا به فليكونوا أبطأ من الوثنيين في مخاصمته، فإنّ محمدا صلى الله عليه وسلم يدعو إلى توحيد الله، وإصلاح العمل،

<<  <   >  >>