وقد سمعت النداء: أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم، قال كعب: لو دعي الفتى لطعنة لأجاب، فنزل متوشّحا تنفح منه رائحة الطيب، واستدرجه القوم في الحديث والسير، ثم زعم أبو نائلة أنّه يريد أن يشمّ الطيب من شعره، فسرّح فيه يده وهو يقول: ما رأيت كالليلة طيبا أعطر، وزهي كعب بما سمع! وعاد أبو نائلة فوضع يديه في شعر اليهودي حتى إذا استمكن من فوديه قال لصحبه: دونكم عدو الله، فاختلفت عليه أسيافهم «١» ، دخلت في بدنه الأسلحة التي طلبها رهانا بدل النساء والأبناء..
وصاح كعب صيحة لم يبق معها حصن إلا وقد وقدت عليه النار استجلاء للخبر، فلما طلع الصباح علمت يهود بمصرع جبّارها، فدبّ الرّعب في القلوب العنيدة، وأسرعت الأفاعي إلى جحورها تختبئ فيها.
لقد أجدت العصا حين أعيت الصيحة وبطل المقال، ولزم اليهود حدودهم فلم يتجرؤوا على المسلمين بسبّ، وظهر كأنّهم لن يمالئوا على الله ورسوله مشركا بعد اليوم.
وهكذا تفرّغ الرسول عليه الصلاة والسلام- إلى حين- لمواجهة الأعراب المشركين.
(١) حديث صحيح، رواه ابن هشام: ٢/ ١٢٣- ١٢٤، عن ابن إسحاق حدثني عبد الله بن المغيث بن أبي بردة به نحوه، وهذا سند ضعيف مرسل أو معضل، وعبد الله هذا ترجمه ابن أبي حاتم: ٢/ ١٧٤، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. ورواه البخاري: ٥/ ١٠٦- ١٠٧، ٦/ ١١٩- ١٢٠، ٧/ ٢٦٩- ٢٧٢؛ ومسلم: ٥/ ١٨٤، ١٨٥؛ وأبو داود: ١/ ٤٣٦، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما نحوه، والظاهر أنّ سياق الكتابة مركب من الروايتين؛ والحديث رواه البيهقي: ٩/ ٨١، من حديث جابر، ثم رواه من حديث موسى بن عقبة معضلا.