للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واطمأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنّ فرقة الرماة قد أمّنت بهذه الأوامر المشددة مؤخرة جيشه، فأقبل يتعهّد مقدمته، وأمر ألا ينشب قتال إلا بإذنه.

وظاهر هو نفسه بين درعين «١» ، وأخذ يتخيّر الرجال أولي النجدة والبأس، ليكونوا طليعة المؤمنين حين يلتحم الجمعان. إن عدد المسلمين على الربع من المشركين، ولن يعوّض هذا التفاوت إلا الأشخاص الذين يوزنون بالألوف وهم احاد.

روى ثابت «٢» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمسك يوم «أحد» بسيف ثم قال: «من يأخذ هذا السّيف بحقّه؟» فأحجم القوم، فقال أبو دجانة: أنا اخذه بحقه، فأخذه ففلق به هام المشركين. قال ابن إسحاق: كان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب، وكانت له عصابة حمراء إذا اعتصب بها علم أنّه سيقاتل حتى الموت، فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم تعصّب وخرج يقول:

أنا الذي عاهدني خليلي ... ونحن بالسّفح لدى النّخيل

ألّا أقوم الدّهر في الكيول ... أضرب بسيف الله والرسول

ويعني بعدم قيامه في الكيول: ألا يقاتل في مؤخرة الصفوف، بل يظلّ أبدا في المقدمة.

ثم تدانت الفئتان، وأذن النبي صلى الله عليه وسلم لرجاله أن يجالدوا العدو، وبدأت مراحل القتال الأولى تثير الغرابة. كأن ثلاثة الاف مشرك يواجهون ثلاثين ألف مسلم، لا بضع مئات قلائل! وظهر المسلمون في أعلى صور الشجاعة واليقين.

خرج حنظلة بن أبي عامر من بيته حين سمع هواتف الحرب، وكان حديث عهد بعرس، فانخلع من أحضان زوجته، وهرع إلى ساحة الوغى حتى لا يفوته الجهاد!.

إن حادي التضحية كان أملك لنفسه وأملأ لحسه من داعي اللذة، فاستشهد البطل وهو جنب!!.


(١) حديث صحيح، أخرجه الحاكم: ٣/ ٢٥؛ وعنه البيهقي: ٩/ ٤٦، من حديث الزبير بن العوام، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وهو حسن الإسناد عندي؛ وأخرجه الترمذي: ٣/ ٢٨، واستغربه. وله شواهد كثيرة، منها: عن السائب بن يزيد عن رجل قد سماه؛ أخرجه أبو داود: ١/ ٤٠٤؛ والبيهقي. وبقية الشواهد تراجع في (المجمع) : ٦/ ١٠٨- ١٠٩.
(٢) كذا وقع في تاريخ ابن كثير: ٤/ ١٥، معزوّا لأحمد، فنقله المؤلف كذلك، وإنما هو عن ثابت عن أنس؛ كذلك أخرجه أحمد: ٣/ ١٢٣؛ ومسلم أيضا: ٧/ ١٥١.

<<  <   >  >>