للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالت عائشة: وايم الله لأنا كنت أحقر في نفسي وأصغر شأنا من أن ينزّل الله فيّ قرانا، لكنّي كنت أرجو أن يرى النبيّ عليه والصلاة والسلام في نومه شيئا يكذّب الله به عنّي؛ لما يعلم من براءتي؛ أمّا قرانا ينزل فيّ، فو الله، لنفسي كانت أحقر عندي من ذلك.

قالت: فلمّا لم أر أبويّ يتكلّمان قلت لهما: ألا تجيبان رسول الله، فقالا:

والله لا ندري بما نجيبه، قالت: والله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على ال أبي بكر في تلك الأيام. ثم قالت: فلمّا استعجما عليّ استعبرت فبكيت، ثم قلت: والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبدا، والله إنّي لأعلم لئن أقررت بما يقول النّاس- والله يعلم أنّي بريئة- لأقولنّ ما لم يكن، ولئن أنا أنكرت ما يقولون لا تصدّقونني. قالت: ثم التمست اسم يعقوب فما أذكره، فقلت: أقول ما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ [يوسف: ١٨] .

فو الله ما برح رسول الله مجلسه حتى تغشّاه من الله ما كان يتغشّاه، فسجّي بثوبه، ووضعت وسادة تحت رأسه، فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت، فو الله ما فزعت وما باليت، وقد عرفت أنّي بريئة، وأنّ الله غير ظالمي، وأما أبواي فو الذي نفس عائشة بيده ما سرّي عن رسول الله حتى ظننت لتخرجنّ أنفسهما فرقا أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس، ثم سرّي عن رسول الله فجلس، وإنّه ليتحدّر من وجهه مثل الجمان في يوم شات، فجعل يمسح العرق عن وجهه، ويقول: «أبشري يا عائشة! قد أنزل الله عز وجلّ براءتك» . فقلت: الحمد لله، ثم خرج إلى الناس فخطبهم وتلا عليهم الايات:

إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١) [النور] «١» .

والغريب أنّ الحدّ أقيم على من ثبتت عليهم تهمة القذف، وهم (حسان بن ثابت) و (مسطح) و (حمنة) ، أما (عبد الله بن أبي) مدبّر الحملة وجرثومتها الخفية، فإنّه كان أحذر من أن يقع تحت طائلة العقاب، لقد أوقع غيره ثم أفلت بنفسه ...


(١) هذه القصة صحيحة، رواها بهذا السياق ابن إسحاق بأسانيد صحيحة عن عائشة، ومن طريقه أخرجها ابن هشام في (السيرة) : ٢/ ٢٢٠- ٢٢٢؛ وهي عند البخاري: ٧/ ٣٤٧- ٣٥٠؛ ومسلم: ٨/ ١١٣- ١١٧، بنحو ما هنا.

<<  <   >  >>