تفتتت الصخرة تحت ضربات الرجل الأيّد الجلد الموصول بالسماء، الراسخ على الأرض، ونظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى صحبه وقد أشرق على نفسه الكبيرة شعاع من الثقة الغامرة والأمل الحلو، فقال- يحدّث صحبه عن السنا المنقدح بين حديد المعول واحدة الصخرة-: «لقد أضاء لي في الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى، كأنّها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أنّ أمّتي ظاهرة عليها، وفي الثانية أضاء القصود الحمر من أرض الرّوم كأنّها أنياب الكلاب، وأخبرني أنّ أمتي ظاهرة عليها، وأضاء لي في الثالثة قصور صنعاء، كأنّها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أنّ أمتي ظاهرة عليها فأبشروا» ، فاستبشر المسلمون، وقالوا:
الحمد لله موعود صادق «١» .
فلما انسابت الأحزاب حول المدينة، وضيّقوا عليها الخناق لم تطر نفوس المسلمين شعاعا، بل جابهوا الحاضر المرّ وهم موطدو الأمل في غد كريم:
وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً (٢٢)[الأحزاب] .
أما الواهنون والمرتابون ومرضى القلوب فقد تندّروا بأحاديث الفتح، وظنوها أماني المغرورين، وقالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأنتم تحفرون الخندق لا تستطيعون أن تبرزوا.
وفيهم قال الله تعالى: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (١٢)[الأحزاب] .
إنّ معركة الأحزاب لم تكن معركة خسائر بل معركة أعصاب.
فقتلى الفريقين من المؤمنين والكفار يعدون على الأصابع، ومع تلك الحقيقة فهي من أحسن المعارك في تاريخ الإسلام؛ إذ إن مصير هذه الرسالة
(١) ضعيف جدا بهذا السياق، رواه ابن جرير في تاريخه، من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه، عن جده، و (كثير) هذا متروك، بل قال الشافعي وأبو داود: ركن من أركان الكذب، وقال الحافظ ابن كثير في تاريخه (٤/ ١٠٠) : «حديث غريب» ، وقصة الصخرة ثبتت في صحيح البخاري: ٧/ ٣١٧، من حديث البراء مختصرا، وهي عند أحمد: ٤/ ٣٠٣، من حديثه مطولا، وإسناده حسن، كما قال الحافظ في (الفتح) : ٧/ ٣١٧، فيحسن جعله مكان حديث (كثير) .