العظمى كان فيها أشبه بمصير رجل يمشي على حافة قمة سامقة، أو حبل ممدود، فلو اختلّ توازنه لحظة؛ وفقد السيطرة على موقفه؛ لهوى من مرتفعه إلى واد سحيق، ممزّق الأعضاء، ممزّع الأشلاء! ولقد أمسى المسلمون وأصبحوا فإذا هم كالجزيرة المنقطعة وسط طوفان يتهددها بالغرق ليلا أو نهارا. وبين الحين والحين يتطلع المدافعون هل اقتحمت خطوطهم في ناحية ما من منطقة الدفاع؟ وكان المشركون يدورون حول المدينة غضابا يتحسّسون نقطة لينحدروا منها فينفسوا عن حنقهم المكتوم، ويقطّعوا أوصال هذا الدين الثائر.
وعرف المسلمون ما يتربّص بهم وراء هذا الحصار، فقرروا أن يرابطوا في مكانهم ينضحون بالنبل كل مقترب، ويتحمّلون لأواء هذه الحراسة التي تنتظم السهل والجبل، وتتسع ثغورها يوما بعد يوم، وهم كما وصف الله تعالى:
وكره فوارس من قريش أن يقفوا حول المدينة على هذا النحو، فإنّ فرض الحصار وترقّب نتائجه ليس من شيمهم، فخرج عمرو بن عبد ودّ، وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطاب، وأقبلوا تعنق بهم خيلهم، حتى وقفوا على حافة الخندق، فلما رأوه قالوا: والله إنّ هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها.
ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق، وضربوا خيلهم فاقتحمته، وأحس المسلمون الخطر المقترب؛ فأسرع فرسانهم يسدّون هذه الثغرة يقودهم علي بن أبي طالب.
وقال علي لعمرو بن عبد ود- وهو فارس شجاع معلم-: يا عمرو إنك عاهدت الله لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه. قال: أجل، فقال علي:
فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام! قال عمرو: لا حاجة لي بذلك، قال علي: فإني أدعوك إلى النزال، فأجاب عمرو: ولم يا بن أخي؟ فو الله ما أحبّ أن أقتلك استصغارا لشأنه- قال علي: لكنّي والله أحبّ أن أقتلك! فحمي عمرو، واقتحم عن فرسه، فعقره، وضرب وجهه، ثم أقبل على علي، فتنازلا وتجاولا، فقتله علي، وخرجت خيل المشركين من الخندق منهزمة حتى اقتحمته هاربة.
وكان الأولاد في البيوت يرقبون جهاد المدافعين، وحركاتهم السريعة لصد العدوان في مظانه، فعن عبد الله بن الزبير قال: جعلت يوم الخندق مع النساء