للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منه شك في أمر نبوّته، والكلام هنا، فرض للمستحيل كما قيل في سورة أخرى:

قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١) [الزخرف] ، ولكن ما معنى سؤال أهل الكتاب؟!.

قالوا: المراد: الثقات المنصفون منهم، فهم لن يكتموا شهادة الحق إذا طلبت إليهم.

وعندي: أن العدول الصادقين من أهل الكتاب قلة لا يعوّل على حكمها، وما أظن الاية تعني ذلك.

ولكن المرء يزداد تبصّرا بنفاسة ما عنده من خير إذا رأى ما عند غيره من خلط، ولو ارتبت لحظة في أن القران من عند الله، ثمّ تصفحت كتب العهدين القديم والجديد، لعدت- على عجل- إلى كتابك تتشبّث به، وتحمد الله ألف مرة أن هديت إليه!!.

وأحسب أن هذا ما تشير إليه الاية، فإنّ تبيّن ما في الإسلام من حقّ يزداد قوة عند اكتشاف ما طرأ على الأديان الأولى من تشويه، وهذا يتفق مع قوله تعالى: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [البقرة: ١٢٠] ، ويزكي فهمنا هذا في الاية الكريمة ما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال: «يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب؟! وكتابكم الذي أنزل على نبيّكم أحدث الكتب بالله، تقرؤونه محضا لم يشب، وقد حدّثكم الله أنّ أهل الكتاب بدّلوا كتاب الله وغيّروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا: هو من عند الله لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟! ولا، والله ما رأينا منهم رجلا قطّ يسألكم عن الذي أنزل عليكم!» .

إن الإسلام من الناحية العقلية معرفة للحقيقة، ومن الناحية العاطفية حبّ لها وإعزاز، وكراهية للباطل وعداء صريح.

إن هناك أناسا في مشاعرهم برودة يلقون بها الرأي وضدّه! وقد يتصوّر هذا في بعض المسائل التافهة، أما أن يتعلّق الأمر بالإيمان والإلحاد، والفجور والعفاف، فلا.

<<  <   >  >>