حتى أنطلق أنا فأنظر. قال: فاحتلت لأدخل الحصن، فإذا الخدم فقدوا حمارا لهم، فخرجوا بقبس يطلبونه!!، فخشيت أن أعرف، فغطيت رأسي، وجلست كأنّي أقضي حاجة.
فقال البواب- بعد ما استرجعوا حاجتهم-: من أراد أن يدخل فليدخل قبل أن أغلقه، فدخلت واختبأت في مربط الدواب عند باب الحصن.
وتعشّى أبو رافع وصحبه، وأخذوا يسمرون حتى ذهبت ساعة من الليل، ثم انصرف عنه جلساؤه قافلين إلى بيوتهم، وهدأت الأصوات فما أسمع حركة، وخرجت، وأنا أعرف أين وضع البوّاب مفاتيح الحصن، فأخذتها، وفتحت الباب حتى إذا أحسّ بي القوم انطلقت على مهل. ثم عمدت إلى أبواب غرفهم فغلقتها من ظاهر. ثم صعدت إلى أبي رافع- حيث يبيت في العلالي- فإذا البيت مظلم قد أطفئ سراجه، فلم أدر أين الرّجل؟ فقلت: يا أبا رافع! قال: من هذا؟
فعمدت نحو الصوت فضربته، فصاح، ولم تغن الضربة شيئا.
وجئت كأني أغيثه فقلت: مالك يا أبا رافع؟ - وغيّرت صوتي- قال: لأمّك الويل، دخل عليّ رجل فضربني بالسيف! فعمدت إليه فضربته ضربة ثانية، فصاح وقام أهله، فجئت مرة أخرى إليه وهو مستلق على ظهره، فأجهزت عليه، ثم خرجت دهشا حتى أتيت السّلّم أريد أن أنزل، فسقطت منه فانخلعت رجلي، فعصبتها، وأتيت أصحابي أحجل.
وعاد القوم إلى المدينة، يبشّرون من وراءهم أنهم أزاحوا من طريق الدعوة عقبة كأداء.
تضعضع الكفر بعد هذه الوقعات الغليظة، ورست أصول الإسلام، واطمأنت دولته، فما انتهت السنة الخامسة للهجرة حتى أصبح المسلمون قوة تفرض نفسها، وتذيق المعاندين بأسها، واستيقنت قريش وأحلافها أنّ ردّ المسلمين إلى عبادة الأوثان ضرب من المستحيل، كما استيقن اليهود أنّ خصامهم الخبيث للدين الجديد والرسالة الخاتمة لم يزدهم إلا خبالا.
ولم تقع بعد غزوة الأحزاب هذا العام إلى أخريات السنة السادسة- أي إلى عمرة الحديبية- أحداث ذات بال.