حاولت هذيل أن تجمع للإغارة على المدينة، فقتل قائدها خالد بن سفيان، فقعدت. وهجم لصوص الأعراب على المدينة ويقودهم عيينة بن حصن في خيل لغطفان، واستاقوا إبلها، ثم ولّوا بها هاربين، غير أنّ سلمة بن الأكوع صرخ بأهل المدينة منذرا، وتبع المغيرين واحده، يرميهم بالنبل، ويسترد منهم اللقاح المنهوبة، حتى أدركه فرسان المسلمين، فلما راهم المشركون فرّوا بعد ما قتل بعضهم، وتركوا ما معهم.
ويروي البخاري أنّ ذلك كان بعد الحديبية لا قبلها، ولعلّه أصح.
وفي هذه الفترة تزوّج النبي صلى الله عليه وسلم بأمّ حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت مهاجرة مع زوجها بالحبشة، فارتدّ صاحبها وهلك، وبقيت واحدها.
فرأى النبيّ صلى الله عليه وسلم إعزازا للسيدة التي تركت أباها- وهو زعيم مكة- واثرت الهجرة إلى الله على البقاء في كنفه- أن يتزوّجها، فأرسل إلى النجاشيّ مهرها، ووكله عنها في العقد عليها.
وتزوّج كذلك زينب بنت جحش، وسنتكلّم عن تفاصيل ذلك في الباب الذي نفرده بعد لتعدد الزوجات، وزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك، ويقال: إنّ الإسلام وقع في قلب «عمرو بن العاص» في هذه الأيام.
فقد أثاره ما يلقاه محمد من ظفر، وقال لبعض صحبه:
إنّي أرى أمر محمّد يعلو الأمور علوا منكرا، ثم اقترح عليهم أن يلحقوا بالحبشة، ويرقبوا نتائج الصراع بين المسلمين وقومهم!!.
فلما ذهب إلى الحبشة ورأى إكرام نجاشيّها للرسول صلى الله عليه وسلم ومن ينتمي إليه، مال إلى الدخول في دين الله.
ولكنه كتم ما بقلبه حتى اقترب فتح مكة، والتقى بخالد بن الوليد، وكان خالد قد أجمع أمره على الإسلام، وانتوى الذهاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مهجره ليتبعه، قال له عمرو: أين يا أبا سليمان؟ قال: والله لقد استقام الميسم- وضح الطريق- وإن الرجل لنبيّ، أذهب- والله- فأسلم، فحتى متى؟!.
وسرّ عمرا أن يجد صاحبا كخالد، فصارحه بما في نفسه، وانطلق الرجلان إلى يثرب مسلمين مهاجرين.