قال: لا شيء! كنت أذكر الله!! فضحك النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم قال: «استغفر الله» .
وتلطّف معه الرسول صلى الله عليه وسلم، فوضع يده على صدره، فانصرف الرجل وهو يقول: ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحبّ إليّ منه «١» .
وكانت لفضالة في جاهليته هنات، فمرّ- وهو راجع إلى أهله- بامرأة لها معه شأن. فلما رأته قالت: هلمّ إلى الحديث! فانبعث يقول:
قالت: هلمّ إلى الحديث، فقلت: لا ... يأبى عليك الله والإسلام
لو ما رأيت محمّدا وقبيله ... بالفتح يوم تكسّر الأصنام
لرأيت دين الله أضحى بيّنا ... والشرك يغشى وجهه الإظلام
وصعد بلال فوق ظهر الكعبة، فأذّن للصلاة، وأنصت أهل مكة للنداء الجديد على اذانهم كأنهم في حلم، إنّ هذه الكلمات تقصف في الجوّ فتقذف بالرعب في أفئدة الشياطين، فلا يملكون أمام دويّها إلا أن يولوا هاربين، أو يعودوا مؤمنين.
الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر.
هذه الصيحات المؤكدة تذكّر الناس بالغاية الأولى من محياهم، وبالمرجع الحق بعد مماتهم، فكم ضلّلت البشر غايات صغيرة، أركضتهم على ظهر الأرض ركض الوحوش في البراري، واجتذبت انتباههم كلّه، فاستغرقوا في السعي وراء الحطام! وامتلكت عواطفهم كلها، فالحزن يقتلهم للحرمان، والفرح يقتلهم بالامتلاء، ولم يسفّه المرء نفسه بالغيبوبة في هذه التوافه؟.
إنّ صوت الحق يستخرجه من وراء هذه الحجب المتراكمة ليلقي في روعه ما كان ينساه، وهو تكبير سيّد الوجود، ورب العالمين، سيده ومولاه.
أشهد ألاإله إلا الله، أشهد ألاإله إلا الله.
لقد سقط الشركاء جميعا، طالما تضرّع الناس للوهم، واعتزّوا بالهباء، وأمّلوا الخير فيمن لا يملك لنفسه نفعا، وانتظروا النجدة ممن لا يدفع عن نفسه عدوان ذبابة. ولم الخبط في هذه المتاهات؟ إن كان المغفّلون يشركون مع الله بعض خلائقه أو يؤلهونها دونه؟ فالمسلمون لا يعرفون إلا الله ربّا، ولا يرون غيره موئلا.
والتوحيد المحض، هو المنهج العتيد للغاية التي استهدفوها.
(١) ضعيف، رواه ابن هشام: ٢/ ٢٧٦، بإسناد معضل.