ولكن من الأسوة؟ من الإمام في هذه السبيل؟ من الطليعة الهادية المؤنسة؟
إنّ المؤذن يستتلي ليذكر الجواب:
أشهد أنّ محمدا رسول الله، أشهد أنّ محمدا رسول الله.
سيرة هذا الرجل النبيل هي المثل الكامل لكل إنسان يبغي الحياة الصحيحة، إنّ محمدا إنسان، يرسم بسنّته الفاضلة السلوك الفريد لمن اعتنق الحق وعاش له.
وهو يهيب بكل ذي عقل أن يقبل على الخير، وأن ينشط إلى مرضاة وليّ أمره، ووليّ نعمته، فيحثّ الناس أولا على أداء عبادة ميسورة رقيقة:
حيّ على الصّلاة، حيّ على الصّلاة.
هذه الصلوات هي لحظات التأمل في ضجيج الدنيا، هي لحظات الماب كلّما انحرف الإنسان عن الجادة، هي لحظات الخضوع لله كلّما هاج بالمرء النزق، وطغت على فكره الأثرة، فنظر إلى ما حوله وكأنّه إله صغير، هي لحظات الاستمداد والإلهام.
وما أفقر الإنسان- برغم غروره- إلى من يلهمه الرشد فلا يستحمق، ويمده بالقوة فلا يعجز ويستكين.
ثم يحث الناس- أخيرا- على تجنب الخيبة في شؤونهم كلها.
والخيبة إنما تكون في الجهد الضائع سدى، في العمل الباطل لأنه خطأ، سواء كان الخطأ في الأداء أو في المقصد.. وهو يحذّر من هذه الخيبة عند ما يدعو: حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح.
ويوم يخرج العمل من الإنسان وهو صحيح في صورته ونيته، فقد أفلح، ولو كان من أعمال الدنيا البحتة، ألم يعلّم الله نبيّه أن يجعل شؤون حياته، بعد نسكه وصلاته خالصة لله؟:
قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣) [الأنعام] .
ولا سبيل إلى ذلك إلا بإصغار ما عدا الله من غايات، والتزام توحيده أبدا، ومن ثمّ يعود إلى تقرير الغاية والمنهج مرة أخرى.
الله أكبر الله أكبر ... لا إله إلا الله ...