للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك وفد يمثّل بساطة الأمّيين في منطقهم وسلامة طويتهم في جدلهم وتساؤلهم، وخلو أذهانهم من العقد التي تعترض الحقّ في مسيله السمح.

ولا نكران في أنّ جهاد الدعوة القديم له أثره في الوصول إلى هذه النتائج السريعة.

وهذا طبيعي؛ فإنّ تغيير دين ليس كتجديد زي، وضمام بن ثعلبة كان يستحضر في ذهنه وهو يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، ثم وهو يخطب قومه أنّ هذه الرسالة الجديدة مرّت بأطوار شتّى من المحن والفتن، كشفت عن صدقها وسلامة جوهرها، فليس إيمانه وإيمان قومه وليد ساعة من كلام.

ذاك وفد الأميين، وهو مثل لوفود أخرى كبرت أو صغرت أمّت المدينة، لترى هذا النبي وتبايعه، ثم تؤوب إلى قومها حاملة الهدى والخير.

أما أهل الكتاب فإنّ قلة منهم شرحت صدرا بالحق، وسارعت إلى اعتناقه ومؤازرته، والكثرة الباقية اختلفت عداوتها له شدة وفتورا.

أبى اليهود إلا إبادة الإسلام، فوقعوا في شرور نيتهم، وباد سلطانهم العسكري والسياسي قبل أن يدركوا هذه الغاية.

وقبلهم الإسلام في دولته القائمة أفرادا يبقون على ديانتهم ما أحبوا، ولا يمكّنون من تجمع على عدوان ودس.

وذلك حقه لا ريب!!.

ولم تصادر الحقوق الشخصية ليهودي تحت سلطان الإسلام، وحسبك أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه- لكي يقترض من يهودي- ارتهنه درعه «١» .. وما فكّر قط في إحراجه بما يملك من سلطان بعيد.

وكان النصارى أخف خصومة حيث ابتعدوا عن سلطان الكنيسة فأسلم بعضهم عن طواعية وإعجاب بما في الإسلام من سهولة واستقامة، وبقي الاخرون على ما ورثوا.


- رقم (٢٣٨٠) من حديث ابن عباس، وقال الحاكم: «صحيح» ، ووافقه الذهبي؛ ورواه مسلم: ١/ ٣٢، وغيره مختصرا، والرواية الاخرى له.
(١) صحيح، أخرجه البخاري وغيره.

<<  <   >  >>