قال صلى الله عليه وسلم: «ألستم تعلمون أنّ ربّنا صوّر عيسى في الرّحم كيف يشاء؟ وأن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشّراب، ولا يحدث الحدث؟» .
قالوا: بلى!.
قال صلى الله عليه وسلم: «ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمّه كما تحمل المرأة، ثمّ وضعته كما تضع ولدها، ثم غذي كما يغذى الصبيّ، ثم كان يأكل الطعام، ويشرب الشراب، ويحدث الحدث؟» .
قالوا: بلى.
قال صلى الله عليه وسلم: «فكيف يكون هذا كما زعمتم؟» .
فقالوا: ألست تقول في عيسى: إنّه كلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه؟
قال صلى الله عليه وسلم: «بلى» .
فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنّ الجدل يتمادى بالقوم، وأنّهم مصرّون على اعتبار عيسى إلها أو ندّا للإله قال لهم: «أقيموا غدا حتّى أخبركم» .
فنزلت ايات المباهلة: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١) [ال عمران: ٥٩- ٦١] .
فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد، وقد أقبل بنفسه، وحفيديه الحسن والحسين، وابنته فاطمة.
واستعدّ أن يشترك مع وفد نجران في صلاة جامعة تستنزل فيها لعنة الله على المفترين.
واستمع وفد نجران إلى هذا الاقتراح، فأوجسوا خيفة من قبوله! من يدري؟
قد يكون محمد صادقا في أنّ عيسى بشر مثله ويكونون- هم- واهمين في انتحال الألوهية له.
فلماذا يبتهلون إلى الله أن يمحقهم؟!.
ونظروا إلى محمد صلى الله عليه وسلم وطفليه وابنته، فشعروا أن الكاذب منهما لن يهلك واحده بل ستهلك معه أسرته، فخشوا على أولادهم وأهليهم البوار إن هم قبلوا هذه المباهلة، ثم خلصوا نجيا.