قال بعضهم للاخر: إن كان هذا الرجل ملكا، فلن نأمن طعننا عليه وخصامنا له، فإنّ دولته مقبلة، وربما أصابنا قومه بجائحة.
وإن كان نبيّا مرسلا فلاعنّاه، فلن يبقى على وجه الأرض منا شعرة ولا ظفر إلا هلك، فما الرأي؟.
فجاءه متحدث القوم شرحبيل بن وداعة، وقال له: رأيت خيرا من ملاعنتك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما هو؟» .
قال: أدع لك الحكم فينا فمهما قضيت فهو جائز!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعلّ وراءك أحدا يثرّب عليك؟» فقال شرحبيل: سل عني.
فلما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عنه أخبر أن أهل الوادي لا يصدرون ولا يردون إلا عن رأيه، فقال: «جاحد موفق» .
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلاعنهم، وعقد معهم صلحا، أصبحوا بمقتضاه من رعايا الدولة الإسلامية.
وجاء في شروط هذا الصلح: «أنّ لنصارى نجران جوار الله وذمة محمد النبي على أنفسهم وملتهم، وأرضهم وأموالهم، وغائبهم وشاهداهم، وعشيرتهم وتبعهم.
وألايغيّروا مما كانوا عليه، ولا يغير حق من حقوقهم ولا ملتهم، ولا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير.
وليس عليهم ريبة ولا دم جاهلية، ولا يحشرون- يكلفون- بجهاد، ولا يعشّرون- يكلفون بزكاة- ولا يطأ أرضهم جيش.
ومن سأل منهم حقا فبينهم النّصف غير ظالمين ولا مظلومين، ومن أكل ربا فذمتي منه بريئة، ولا يؤخذ رجل منهم بظلم اخر.
وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله وذمة محمد رسول الله حتى يأتي الله بأمره ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير منقلبين بظلم» .
وشهد على هذه المعاهدة أبو سفيان بن حرب، وغيلان بن عمرو، ومالك بن عوف، والأقرع بن حابس، والمغيرة بن شعبة.
فماذا كلّف به نصارى نجران بإزاء هذه الحقوق؟ أن يدفعوا للدولة ألفي حلة في السنة! وهي بدل تافه عن الزكاة التي يدفعها المسلمون واحدهم، والجهاد الذي يحملونه واحدهم.
وتلك هي الجزية التي ضربت على نجران بعد المفاوضات التي رأيت.