للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبذلك قطع الإسلام الصلة بين أولئك العرب المتنصرين وبين دولة الروم التي يشتبك معها في الحرب، بعد ما ضمن الحرية الدينية لمن سالموه وكفّوا عنه.

ونحن نسأل- على وجه التحدي-: هل عاملت الطوائف المسيحية بعضها بعضا بهذه السماحة الرائعة؟ أم كان ذلك مسلكا أضاء به الإسلام واحده ظلمات القرون الأولى؟.

ثم نسأل مرة أخرى: هل احترم أهل الكتاب ما عليهم من واجب؟ وهل أنصفوا الدين الذي رعى ذمامهم؟.

لقد دخلت السنة العاشرة على الإسلام وهو يبسط تعاليمه على حساب الوثنية المتقلصة، فإذا بعض القبائل في الجنوب تثور ضده تحسب أنّ رجلا من قريش ملك العرب بادعاء النبوة، فليس يعجزها أن تقدم من مفاليكها من يزعم النبوة كذلك!! لعلّه يملك مثل ما ملك محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

ومن المؤسف أنّ النصارى في جنوب الجزيرة ساعدوا في إشعال هذه الثورات، وأنّ نصارى نجران كاتبوا الأسود العنسي فسار إليهم- وهو أحد المتنبئين- ثم رحل عنهم إلى اليمن، فملكها، حتى قتلته امرأته هناك، وأراحت الأرض منه.

أكانت هذه الفتن معاونة لنصارى الشمال في حربهم ضد الإسلام، أم كانت شغبا يمليه الكره المجرد فحسب؟.

وما فعله نصارى نجران في تأييد الأسود العنسي فعل مثله نصارى تغلب في تأييد مسيلمة الكذاب حين ادّعى- هو الاخر- أنّه نبي!.

ونحن نفهم أن يرفض أهل نجران وبنو تغلب الدخول في الإسلام، وأن يؤثروا البقاء على ما اقتنعوا به من ديانتهم الموروثة، لكننا لم نفهم بتة أن يكذّب رجل بصحف الوحي، وأن يؤمن- مثلا- بالبعكوكة «١» .

ذاك إن كانوا قد آمنوا حقا بالأسود ومسيلمة..

أما إذا كان الأمر لا يعدو الإعانة على حرب الإسلام بأي سلاح ومع أي حليف، فهذه مسألة أخرى يحتار في علاجها أطباء القلوب «٢» .


(١) صحيفة هزلية.
(٢) راجع كتابنا (التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام) ، وهو من منشورات دار القلم بدمشق.

<<  <   >  >>