للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن عائشة قالت: إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار!.

فقال لها عروة بن الزبير: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء.

وقالت عائشة أيضا: «لقد توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في رفّي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رفّ لي..» .

أما الفراش الذي يأوي إليه هذا النبي صلى الله عليه وسلم فهو من أدم- جلد- حشوه ليف «١» يثوي فيه قليلا، فما أن يستدفئ به حتى يسمع الصارخ- الديك- فينهض متأهبا لصلاة الفجر.

ولا نعني بهذا الوصف أنّ الإسلام يعاف الطّيبات، أو أن نبيّه يسنّ للناس تركها.

كلا، فشريعة الإسلام في هذا بيّنة نيّرة، وإنّما نسرد الواقع من حياة رجل صدفت نفسه عما يقتتل الناس عليه، إنّ الرجل قد يترك لأولاده الصغار لعبة يفرحون بها ويختصمون عليها؛ لأنّ طبيعة رجولته في شغل عن عبث الصبية.

إنّ بعض المخترعين والمفكرين يذهلون عن الطعام المهيأ لهم، لا ازدراء له، ولكن استغراقا فيما ملك عليهم مشاعرهم.

وكأنّي أتخيل النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يرى سواد الناس يتفانون على الحطام الذاهب فيهز رأسه أسفا، ويقول: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» «٢» .

ثم يضرع إلى الله: «اللهم اجعل رزق ال محمد قوتا» «٣» .

إنّ من الزراية بالعقل، والجور الفاحش على التاريخ، أن يجيء رجل من عرض الطريق، فيرى أو يقال له: إنّ محمدا كان لديه نسوة عديدات. فيظنّ المسكين أنّ ذلك دلالة استكثار من الشهوات وتشبّع من الدنيا.

ولا يحسبنّ أحد هذا الاخشيشان فعل من لا يجد! وأنه لو فتحت إلى بيوت


(١) صحيح، أخرجه البخاري: ١١/ ٢٤٥، عن عائشة أيضا.
(٢) صحيح، أخرجه البخاري: ١١/ ٢٦٨، من حديث أبي هريرة وأنس.
(٣) صحيح، أخرجه البخاري: ١١/ ٢٤٦؛ ومسلم: ٨/ ٢١٧، واللفظ له من حديث أبي هريرة، وليس هو تمام الحديث الذي قبله كما قد يتبادر من عبارة المؤلف، بل كل من الحديثين مستقل عن الاخر، ولا يدرى المتقدم منهما من المتأخر.

<<  <   >  >>