للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله» «١» .

وعن أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشجّ رأسه، فجعل يسلت الدم عن وجهه ويقول: «كيف يفلح قوم شجّوا نبيّهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله؟!» ، فأنزل الله عز وجلّ قوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (١٢٨) [ال عمران] «٢» .

أرأيت التفريط في أسباب النصر جلب شيئا غير الهزيمة؟! أو لو كان الذين انهزموا هم ممثلي التوحيد الحق؟! أو لو كان الذين انتصروا هم سدنة الوثنية المحضة؟!.

وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أراد غزوة ورّى بغيرها، ويقول:

«الحرب خدعة» «٣» ، ومع قيامه بالأسباب على ما أوجب الله، واحترامه للقوانين الطبيعية التي تنظّم حياة البشر؛ مع ذلك فقد استطاعت بعض قبائل العرب أن تخدعه، وأن تستدرج طائفة من القرّاء من أفضل أصحابه ليقتلوهم عن اخرهم في بئر معونة «٤» ، فما دلّت على مصارعهم إلا الطيور تحلّق في الجو مرفوفة على أشلاء الشهداء ...

إنّ هؤلاء الرجال الذي ذهبوا ضحية الغدر من أحب خلق الله إلى الله، ومع ذلك فما أذن لأحد منهم أن يطير بغير جناح، أو يتحول عن هذا القدر المتاح كما يفكّر متأخّرة المسلمين اليوم.

ولئن كان الحذر والحيطة من سنن النبوة؛ فإن الإعداد واستنفاد الجهد فيه من اكد هذه السنن، وبماذا تحسب محمدا عليه الصلاة والسلام انتصر على الناس؟.

لقد أنضج رجاله بالإيمان كما ينضج الصيف بلهبه البطيء أطايب ثماره، فلمّا أرسلهم إلى أنحاء الدنيا طوّفوا بها، ولهم زئير كزئير العاصفة المكتسحة المهتاجة.


(١) حديث صحيح، أخرجه البخاري: ٧/ ٢٩٨؛ ومسلم: ٥/ ١٧٩، في صحيحيهما.
(٢) حديث صحيح، أخرجه الشيخان فيما تقدم أيضا.
(٣) حديث صحيح، أخرجه أبو داود: ١/ ٤١١، بسند صحيح من حديث كعب بن مالك، وهو في الصحيحين بنحوه.
(٤) انظر: ص ٢٧٩ وما بعدها، من هذا الكتاب. (ن) .

<<  <   >  >>