للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل إن الإسلام- من يوم بدئه- كان معركة يقودها الوحي، ولذلك شبّه الله بوادره الهامية بعاصفة ذات صواعق ورعود:

أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩) [البقرة] .

أترى للتراخي والتواكل ثغرة في هذه الصفوف المتزاحفة؟.

يا ويل مسلمي اليوم من انتظارهم لخوارق العادات في دنيا كشّرت عن أنيابها لاستئصال شأفتهم.

نحن لا ننكر أن هناك عجائب خارقة تقع للناس، بيد أنها تقع للمؤمن والكافر، والبر والفاجر؛ فلو أنّ رجلا سار على الماء دون أن تبتلّ قدماه؛ ما دلّ ذلك على صلاحه، لأنّ مناط الصلاح بما شرع الله من عمل وإيمان فحسب، وإثبات هذه الخوارق لأصحابها مسألة تاريخية بحتة لمن شاء تقصي العجائب، ولا ارتباط لها بأصل الإيمان والتكليف، وذلك- بداهة- غير المعجزات المشاهدة للمرسلين بصحة التبليغ عن الله، على أن النبوّات بما قارنها من خوارق قد انتهت مع الماضي البعيد، فليس للتحكك بها من جدوى- وقد علمت أنّ معجزة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لم تكن على غرار ما سبقها، بل كانت معجزة إنسانية عقلية دائمة، ثم نظم الله له حياته ودعوته وفق قوانين الأسباب والمسببات كما رأيت.

ولم يكن محمد صلى الله عليه وسلم يعرف الغيب؛ كان كأيّ بشر اخر لا يدري ماذا يكسب غدا؟!.

ولا ينبغي أن ينتظر منه شيء من ذلك بعد أن انتهى إليه أمر الله:

قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨) [الأعراف] .

وربما اقترب منه من يضمر الشر ويظهر الود- وهو لا يعلم به- حتى تفضحه التجارب.

وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ [التوبة: ١٠١] .

وسيفاجأ يوم القيامة برجال تركهم وهو يعدّهم مؤمنين ثابتين، ثم تكشّفت

<<  <   >  >>