للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفتن عن سواد باطنهم وسوء عقباهم «١» ، فيقول ما قال عيسى من قبل:

وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ [المائدة: ١١٧] «٢» .

وقد يطلعه الله على بعض الغيوب لحكم خاصة، كما جاء في التنزيل الإنباء بهزيمة الفرس أمام الروم، بعد النصر الكبير الذي سبق لهم أن أحرزوه، وسارت بحديثه الركبان، وشمت له الوثنيون، وحزن له المسلمون مظاهرة منهم لأهل الكتاب.

وقد وردت أحاديث صحاح تحسب على ظاهرها كأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف ما يكون، مثل ما ورد عن عدي بن حاتم قال: بينما أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل، فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه اخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال: «يا عدي! هل رأيت الحيرة؟» قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها، فقال: «إن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله» قلت في نفسي: فأين دعّار طيئ الذين سعروا في البلاد؟! «ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى» ، قلت: كسرى بن هرمز؟! قال: «كسرى بن هرمز!!» .

قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالبيت لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز «٣» .

والحق أن هذه الأحاديث وأشباهها لم تكن إخبارا بغيب «٤» ، إنما كانت تصديقا لوعد الله بأن المستقبل للإسلام، وبأن هذا الدين سيسود المشارق والمغارب، فكانت تفسيرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول الله في كتابه:

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [الفتح: ٢٨] .


(١) إشارة إلى حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليذادنّ رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، فأناديهم: ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدّلوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا» . وللحديث روايات في الصحيحين عن ابن مسعود وأنس وأبي سعيد الخدري وسهل بن سعد رضي الله عنهم. (ن) .
(٢) معنى هذا في (صحيح البخاري) في كتاب التفسير، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٣) أخرجه البخاري: ٦/ ٤٧٧- ٤٧٩، وغيره عن عدي.
(٤) بل هي من الإخبار بالغيب بإعلام الله تعالى إياه، والتأويل المذكور لا مبرر له ما دام أن المؤلف حفظه الله يسلّم بأصل الإعلام كما ذكر انفا، وفي هذا الحديث ما يشير إلى ذلك؛ إذ إنه قال: «إن طالت بك حياة ... » فهل هذا التحديد الدقيق للزمن يمكن أن يعرفه (الخبير) ، إلا بإعلام اللطيف الخبير سبحانه وتعالى.

<<  <   >  >>