والزوار، وهم يؤثرون الجوار العاطل على العودة للعمل في بلادهم، ويسمّون ذلك هجرة! فهل ذلك إسلام أو حبّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟!.
أذكر أنه قابلني نفر من أهل المغرب يزعمون أنهم قدموا إلى المدينة فرارا بدينهم من الفتن، فأفهمتهم أنهم فارّون من الزحف، لأن إخوانهم يقاتلون الفرنسيين الغزاة، وهم مجرمون بتركهم المجاهدين يحملون واحدهم عبء هذا الكفاح «١» .
إنّ هذا الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم غير مفهوم، وهذه الهجرة لمدينته غير متقبلة، وصلة نبي الله بعباد الله أشدّ وأحكم من أن تأخذ هذه السبل الشاردة الملتوية.
إنّ أعداء الإسلام تمكّنوا- في غفلة أهله- أن يصدعوا بناءه، ويجعلوه أنقاضا؛ فكيف يترك تراث محمد صلى الله عليه وسلم نهبا للعوادي؟! وكيف يمهّد للجاهلية الأولى أن تعود؟! وكيف يقع هذا التبدل الخطير في سكون؟! بل في مظهر من الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟!.
فليفقه المسلمون سيرة رسولهم العظيم.
وهيهات أن يتم ذلك إلا بالفقه في الرسالة نفسها، والإدراك الحقّ لحياة صاحبها، والالتزام الدقيق لما جاء به.
ألا ما أرخص الحبّ إذا كان كلاما، وما أغلاه عند ما يكون قدوة وذماما!.
إنني أعتذر عن تقصيري في إيفاء هذا الموضوع حقّه؛ فشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبير، والإبانة عن سيرته تحتاج إلى نفس أرقّ، وذكاء أنفذ. وحسبي أن ذاك جهدي.
اللهم صلّ على محمد، وعلى ال محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى ال إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى ال محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى ال إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
محمّد الغزالي
(١) صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب وفرنسة تحتلّ أقطار المغرب الثلاثة وغيرها من ديار الإسلام. قلت: صدرت الطبعة الأولى لهذا الكتاب في السبعينيات من القرن الرابع عشر الهجري، الموافق للخمسينيات من القرن العشرين الميلادي. (ن) .