للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يزوّد بها القلب كما تزوّد الطائرة بالوقود، فتستطيع السموّ والتحليق ... لقلنا: إنّ ظواهر الاثار مقصودة، ولكن أمر الخير والشر أبعد من ذلك؛ بل من البديهي أنّه بالناحية الروحية في الإنسان ألصق.

وإذا اتصل الأمر بالحدود التي تعمل الروح في نطاقها، أو بتعبير اخر:

عند ما ينتهي البحث إلى ضرورة استكشاف الوسائل التي يسيّر بها الروح هذا الغلاف المنسوج من اللحم والدم، يصبح البحث لا جدوى منه؛ لأنه فوق الطاقة.

وشيء واحد هو الذي نستطيع استنتاجه من هذه الاثار، أن بشرا ممتازا كمحمد صلى الله عليه وسلم لا تدعه العناية غرضا للوساوس الصغيرة التي تناوش غيره من سائر الناس؛ فإذا كانت للشر (موجات) تملأ الافاق، وكانت هناك قلوب تسرع إلى التقاطها، والتأثّر بها، فقلوب النبيّين- بتولي الله لها- لا تستقبل هذه التيارات الخبيثة ولا تهتزّ لها. وبذلك يكون جهد المرسلين في (متابعة الترقي) لا في (مقاومة التدلّي) ، وفي تطهير العامة من المنكر، لا في التطهر منه، فقد عافاهم الله من لوثاته.

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا وقد وكّل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة» . قالوا: وإياك يا رسول الله! قال: «وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير» «١» .

وفي حديث عن عائشة رضي الله عنها، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أغرت؟» قالت: وما لمثلي لا يغار على مثلك! فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد جاءك شيطانك!» قالت:

أو معي شيطان؟! قال: «ليس أحد إلا ومعه شيطان» . قالت: ومعك؟ قال: «نعم، ولكن أعانني الله عليه فأسلم» «٢» . أي: انقاد وأذعن فلا يستطيع أن يهجس بشرّ.

ولعلّ أحاديث شق الصدر تشير إلى هذه الحصانات التي أضفاها الله على محمد صلى الله عليه وسلم، فجعلته من طفولته بنجوة قصية عن مزالق الطبع الإنساني، ومفاتن الحياة الأرضية، وقد أورد الخازن في تفسيره القصة الأولى- أيام الرضاعة- عند تفسيره لقول الله عز وجلّ: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) ... [الشرح] .


(١) حديث صحيح، أخرجه مسلم في صحيحه: ٨/ ١٣٩، عن ابن مسعود.
(٢) حديث صحيح، أخرجه مسلم عنها، في الموضع السابق.

<<  <   >  >>