للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وشرح الصدر الذي عنته الايات ليس نتيجة جراحة يجريها ملك أو طبيب، ويحسن أن تعرف شيئا عن أساليب الحقيقة والمجاز التي تقع في السنة.

عن عائشة رضي الله عنها أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن: يا رسول الله، أينا أسرع بك لحوقا؟ قال: «أطو لكن يدا» . فأخذن قصبة يذر عنها، فكانت سودة أطولهن يدا، فعلمنا بعد أنما كان طول يدها بالصّدقة، وكانت تحبّ الصدقة، وكانت أسراعنا لحوقا به «١» ...

اب (محمد) صلى الله عليه وسلم إلى مكة بعد أعوام طيبة قضاها في البادية، اب ليجد أمّا كريمة حبست نفسها عليه، وشيخا مهيبا يلتمس في مراه العزاء عن ابنه الذي خلّى مكانه في شرخ الشباب، وكأن الأيام أبت له قرارا بين هذه الصدور الرقيقة، فأخذت تحرمه منها، واحدا بعد الاخر.

رأت (امنة) - وفاء لذكرى زوجها الراحل- أن تزور قبره ب (يثرب) ، فخرجت من (مكة) قاطعة رحلة تبلغ خمسمئة كيلو متر في الذهاب غير مثيلتها في الإياب، ومعها في هذه السفرة الشاقة ابنها (محمد) صلى الله عليه وسلم، وخادمتها (أم أيمن) ، وعبد الله لم يمت في أرض غريبة؛ فقد مات بين أخواله بني النجار؛ قال ابن الأثير:

«إن هاشما شخص في تجارة إلى الشام، فلما قدم المدينة نزل على عمرو بن لبيد الخزرجي، فرأى ابنته (سلمى) فأعجبته، فتزوّجها، وشرط أبوها ألا تلد ولدا إلا في أهلها، ثم مضى هاشم لوجهه، وعاد من الشام فبنى بها في أهلها، ثم حملها إلى مكة فحملت، فلما أثقلت ردّها إلى أهلها ومضى إلى الشام، فمات ب (غزة) ، وولدت له (سلمى) عبد المطلب، فمكث في المدينة سبع سنين ... » .

وقد ظلّ محمد عليه الصلاة والسلام لدى أخواله قريبا من قبر أبيه نحو


(١) حديث صحيح، أخرجه البخاري: ٣/ ٢٢٢، من طريق مسروق، عن عائشة بهذا السياق، إلا أنه قال: «وكانت أسراعنا لحوقا به، وكانت تحب الصدقة» ؛ وأخرجه مسلم: ٧/ ١٤٤، من طريق عائشة بنت طلحة؛ والحاكم من طريق عمرة كلتاهما عن عائشة بنحوه، وفي روايتهما: «فكانت أطولنا يدا زينب؛ لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق» . وهذا يخالف رواية البخاري، فإن ظاهرها أن سودة هي التي لحقت به أولا، وهو خطأ بيّن كما حققه الحافظ في الفتح. وقد رجّح فيه رواية مسلم وهو الحق. فمن شاء الزيادة في التحقيق فليرجع إليه. وزينب هذه هي بنت جحش، لا بنت خزيمة كما توهّم بعضهم.

<<  <   >  >>