للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خذ مثلا أول حديث حكم الأستاذ بتضعيفه: «أحبّوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبّوني بحبّ الله» .

قد يرى الأستاذ المحدّث أن تحسين الترمذي وتصحيح الحاكم لا تعويل عليهما في قبول هذا الحديث، وله ذلك.

بيد أني لم أجد في المطالبة بحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ما يحملني على التوقّف فيه، ولذلك أثبتّه وأنا مطمئنّ.

وفي الوقت الذي فسحت فيه مكانا لهذا الأثر- على ما به- صددت عن إثبات رواية البخاري ومسلم مثلا للطريقة التي تمّت بها غزوة بني المصطلق.

فإن رواية الصحيحين تشعر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم باغت القوم وهم غارّون «١» ما عرضت عليهم دعوة الإسلام، ولا بدا من جانبهم نكوص، ولا عرف من أحوالهم ما يقلق!.

وقتال يبدؤه المسلمون على هذا النحو مستنكر في منطق الإسلام، مستبعد في سيرة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن ثمّ رفضت الاقتناع بأن الحرب قامت وانتهت على هذا النحو.

وسكنت نفسي إلى السياق الذي رواه ابن جرير.. فهو على ضعفه- الذي كشفه الأستاذ الشيخ ناصر- يتفق مع قواعد الإسلام المتيقّنة، أنه لا عدوان إلا على الظالمين.

أما الغارّون الوادعون فإنّ اجتياحهم لا مساغ له.

وحديث الصحيحين في هذا لا موضع له إلا أن يكون وصفا لمرحلة ثانية من القتال، بأن يكون أخذ القوم عن غرّة جاء بعد ما وقعت الخصومة بينهم وبين المسلمين، وأمسى كلا الفريقين يبيّت للاخر، ويستعدّ للنيل منه.

فانتهز المسلمون فرصة من عدوهم- والحرب خدعة- وأمكنهم الغلب عليهم وهم غارّون.

وفي هذه الحالة لا بدّ من التمهيد لرواية البخاري ومسلم، بكلام يشبه ما نقله ابن جرير ووهّنه فيه الشيخ ناصر.


(١) أخذهم على غرة.

<<  <   >  >>