للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نِسَاءَهُ … فَقَبِلْنَ جَمِيعًا وَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ غَيْرَ الْعَامِرِيَّةِ اخْتَارَتْ قَوْمَهَا» (١).

وجه الاستدلال: التخيير يكون ثلاثًا وهذا معنى فكانت البتة.

الرد: هذه الأحاديث لا تصح وتخالف حديث عائشة في الصحيحين (٢) قالت: «خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعُدَّهُ طَلَاقًا».

قال القرافي: قول الأئمة هو مقتضى اللفظ لغة لا مرية في ذلك وإنَّ مالكًا أفتى بالثلاث البينونة كما تقدم بناءً على عادة كانت في زمانه أوجبت نقل اللفظ عن مسماه اللغوي إلى هذا المفهوم فصار صريحًا فيه، وهذا هو الذي يتجه وهو سر الفرق بين قاعدة التخيير والتمليك غير أنَّه يلزم عليه أنَّ هذا الحكم قد بطل وتغيرت الفتيا ويجب الرجوع إلى اللغة كما قاله الأئمة وتصير كناية محضة بسبب أنَّ العرف قد تغير حتى لم يصر أحد يستعمل هذا اللفظ إلا في غاية الندرة فضلًا عن كثرة الاستعمال التي تصيره منقولًا والقاعدة أنَّ اللفظ متى كان الحكم فيه مضافًا لنقل عادي بطل ذلك الحكم عند بطلان تلك العادة وتغير إلى حكم آخر إن شهدت له عادة أخرى فهذا هو الفقه المتجه (٣).

وقال ابن الشاط: ما قاله [يعني القرافي] إنَّ مالكًا رضي الله تعالى عنه إنَّما بنى على عرف زمانه هو الظاهر وما قاله من لزوم تغير الفتوى عند تغير العرف صحيح (٤).

وقال الدردير: قال بعضهم الفرق بين التخيير والتمليك أمر عرفي لا دخل للغة فيه، فقولهم في المشهور الآتي: أنَّ للزوج البقاء على العصمة والذهاب لمناكرة


(١) رواه ابن سعد في الطبقات (٨/ ١٥٤) أخبرنا محمد بن عمر حدثني عبد الله بن سليمان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: لما خَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ نِسَاءَهُ … فَقَبِلْنَ جَمِيعًا وَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ غَيْرَ الْعَامِرِيَّةِ اخْتَارَتْ قَوْمَهَا، فَكَانَتْ بَعْدُ تَقُولُ: أَنَا الشَّقِيَّةُ. وَكَانَتْ تَلْقُطُ الْبَعْرَ وَتَبِيعُهُ وَتَسْتَأْذِنُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ وَتَسْأَلُهُنَّ وَتَقُولُ: أَنَا الشَّقِيَّة» إسناده ضعيف. محمد بن عمر الواقدي متروك.
وقال أخبرنا محمد بن عمر حدثني عبد الله بن جعفر عن ابن أبي عون عن ابن مَنَّاحٍ قال: اخْتَرْنَهُ جَمِيعًا غَيْرَ الْعَامِرِيَّةِ اخْتَارَتْ قَوْمَهَا فَكَانَتْ ذَاهِبَةَ الْعَقْلِ حَتَّى مَاتَتْ» مرسل إسناده ضعيف كالذي قبله. ابن أبي عون هو عبد الواحد وابن مَنَّاحٍ هو موسى بن عمران.
(٢) رواه البخاري (٥٢٦٤)، ومسلم (١٤٧٧).
(٣) الفروق (٣/ ١٧٦).
(٤) تهذيب الفروق (٣/ ٢١٣).

<<  <   >  >>