للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحيل في الشرع]

ابن القيم في كتاب إعلام الموقعين في المجلد الثالث أبدع في باب الحيل؛ لأن هناك من الحيل ما يشرع ومن الحيل ما لا يُشرع، فبنو إسرائيل أساتذة في الحيل، كرجل قال لزوجته وهي في الطابق السادس: إن نزلت فأنتِ طالق، وإن صعدت فأنتِ طالق، فقالوا من باب الحيل: تلقي بنفسها عليه، لعلها تتخلص منه.

وسئل أحد العلماء عن زوج قال لزوجته وهي تأكل التمر: إن بلعتها فأنتِ طالق، وإن قذفتها فأنتِ طالق، قال بعضهم: تأكل نصفها وتقذف نصفها، وهذا من باب الحيل.

وهناك حيل غير مشروعة: كرجل أراد أن يجامع زوجته في رمضان فأنشأ سفراً إلى الصعيد مع الزوجة، فأفطرا بسبب السفر ثم جامعها، فهذا السفر فيه حيلة.

والمحلل تيس مستعار، وهذا نراه ونشاهده.

ومن الحيل إن أردت أن أبيع أرضاً وجاري له حق الشفعة، فآتي بالمشتري وأكتب في العقد عشرة أمثال قيمة الأرض، وأتعامل معه سراً بالثمن الحقيقي وهذه حيلة لأحرم جاري من حق الشفعة؛ لأنه ينبغي أن يوضع المبلغ الموجود في العقد لينفذ حق الشفعة.

ومن الحيل التي أوردها ابن القيم: رجل طلق امرأته طلقتان، فهنا يقول لها: اخلعي نفسكِ مني، والخلع فسخ وليس طلاقاً عند جمهور العلماء، فتخلع نفسها منه وترد عليه المهر، ثم يراجعها بعقد جديد حتى لا يقع في الطلقة الثالثة، يأمرها بالخلع ليحلل لنفسه ثلاث طلقات جديدة، وهذه حيلة.

فبنو إسرائيل تحايلوا حينما نصبوا الشباك للسمك في يوم السبت، وكانوا في يوم السبت تأتيهم حيتانهم شُرّعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم، وهذه هي قصة أصحاب السبت الواردة في سورة الأعراف اشتاقوا لأكل السمك فنصبوا الشباك في يوم السبت فدخلها السمك، فجذبوها في يوم الأحد، وقالوا: هكذا لم نصطد في يوم السبت.

ثم انقسموا بعد هذه الحيلة إلى ثلاث فرق: فرقة انتهكت الأمر وتحايلت على الشرع، وفرقة اعتزلت ونصحت وأخذت على يد المجرمين المخالفين، والفرقة الثالثة ثبّطت الناصحين {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف:١٦٤].

يقول المفسرون: الفرقة التي انتهكت الأمر بالليل كانت من جنس بني آدم فوجدوهم في الصباح قد مسخوا قردة.

والفرقة الثالثة التي ثبّطت مختلف فيها هل مُسخت هي الأخرى أم لم تُمسخ؟ قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:٦٥] ولذلك اليهود عندهم عقدة من القرود.

ويدرس أبناؤنا في الثانوية نظرية تسمى بنظرية النشوء والارتقاء، وهي نظرية داروين، وأن الإنسان في أصله قرد، ثم تطور حتى أصبح إنساناً، فالسبب الرئيسي في هذه النظرية أن داروين يعلم أن أجداده كانوا قروداً، فأراد للبشرية أن تكون قروداً كحال أجداده، ولذلك مسخوا فلم يأكلوا ولم يتناكحوا وماتوا بعد ذلك بثلاثة أيام.