للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النهي عن تصرية الإبل]

قال المؤلف رحمه الله: [وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصروا الإبل) الحديث.

التصرية في اللغة: الجمع]، يعني: لا تصروا الإبل، وهذا نهي عن المصراة؛ ولذلك قال: (من غشنا فليس منا،) متفق عليه.

قال: [فمن اشترى مصراة وهو لا يعلم فهو بالخيار، إما أن يقبلها، وبين أن يردها وصاعاً من تمر] فهذا حكم فقهي مهم.

مثال ذلك: اشتريت مصرَّاة دون أن أعلم العيب، وبعد أن اشتريت تبين لي العيب، فما حكم هذا البيع؟

الجواب

أنا بالخيار: إما أن أردها إلى صاحبها مع صاع من تمر، وليس صاعاً من أرز، وقياس الأحناف على أن زكاة الفطر تجوز نقداً، وهذا قياس فاسد، قاسوه على المصرَّاة، أنه يرد المصرَّاة ومعها صاع من تمر؛ مقابل اللبن الذي أخذه منها عندما كانت السلعة عنده.

قال: [وهو قول جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تصروا الإبل والغنم، فمن اشتراها فإنه بخير النظرين بعد أن يحلبها: إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها وصاعاً من تمر)؛ ولأن هذا تدليس بما يختلف الثمن باختلافه؛ فوجب منه الرد، كما لو كانت شمطاء فسود شعرها].

مثال ذلك ذهب رجل ليتزوج امرأة شمطاء -أي: لون شعرها أبيض- ولها من العمر ستون سنة، فصبغ شعرها بالسواد فذهب إلى البيت ليكشف عنها، فوجد أنها عجوز، ليست هي التي رأى، وهذا معنى قوله: شمطاء فسود شعرها، يعني: غير في ملامحها.

كذلك إذا كان عندها عيب في العين كأن تكون بلا عين، فصنعوا لها عيناً صناعية، فلما كشف العريس عنها في البيت وجد أنها بلا عين، فهنا له حق في الرد.

هذه أمور مهمة.

صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (تجنبوا السواد)، لكن نحن هنا نبين الأمر المشروع في البيع والشراء، فلو كان معي أمة أريد بيعها، وقد صبغت شعرها باللون الأصفر؛ فهنا لا بد أن أقول للمشتري: ليس هذا اللون لون شعرها الحقيقي، حتى لا يتفاجأ عندما يراها في البيت على حقيقته.

قال صلى الله عليه وسلم: (فإن بينا بورك لهما في بيعهما)، وهذا هو الأصل: لا بد من التبيين عند التعامل، والله تعالى أعلم.

قال: [فإذا ردها رد بدل اللبن صاعاً من تمر كما جاء في الحديث، وفي لفظ: (ردها ورد صاعاً من تمر لا سمراء) يعني: لا يرد قمحاً] أي: لا بد أن يكون الصاع من تمر.

قال: [فإن علم بتصريتها قبل حلبها ردها ولا شيء معها].

يعني: قبل أن يحلب علم أنها مصراة ردها دون شيء فلا يستعيض بصاع التمر إلا إذا حلبها مقابل الانتفاع بالمصراة هذه المدة.

قال: [ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من اشترى غنماً مصرَّاة فاحتلبها فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر)، رواه البخاري، وهذا لم يأخذ بها لبناً؛ فلا يلزمه رد شيء.

قال ابن عبد البر: هذا ما لا اختلاف فيه].

قال المؤلف رحمه الله: [وكذلك كل مدلس لا يعلم بتدليسه له رده، كجارية حمر وجهها، أو سود شعرها، أو جعده، أو رحى ضم الماء وأرسله عليها عند عرضها على المشتري؛ لأنه تدليس بما يختلف به الثمن، فأثبت الخيار في الرد كالتصرية].

مثال ذلك: كأن تكون هناك سيارة منتهية أدخلها الفرن ولمَّعها، ومن الداخل مشوهة، فهذا فيه تدليس أم لا؟ فلا بد أن أبين العيب للمشتري.

قال: [وكذلك لو وصف المبيع بصفة يزيد بها في ثمنه، فلم يجدها فيه كصناعة في العبد أو كتابة، أو أن الدابة هملاجة -سريعة- أو الفهد صيود أو معلم، أو أن الطير مصوت ونحو هذا؛ فله الرد لذلك].

يعني: اشتريت منك عبداً على أنه يجيد الكتابة، وذهبت فوجدته أمياً لا يعرف الكتابة ولا القراءة، هذا عيب أم لا؟ أو اشتريت سيارة على أنها (٣) سلندر أو (٥) سلندر، واتفقت مع البائع على ذلك، فذهبت فوجدتها (٨) سلندر، فهل لي حق الرد أم لا؟

الجواب

نعم.

طالما أنه لم يظهر لي عيب السلعة.

قال المؤلف رحمه الله: [ولو أخبره بثمن المبيع فزاد عليه؛ رجع عليه بالزيادة، وحظها من الربح إن كان مرابحة، يثبت الخيار في بيع المرابحة].

إن المرابحة والمضاربة والمشاركة أنظمة إسلامية معمول بها في الفقه الإسلامي؛ ولذلك بنك فيصل الإسلامي بنى تعاملاته على المرابحة والمشاركة والمضاربة.

نكتفي بهذا القدر، والله تعالى نسأل أن يتقبل منا ومنكم، وجزاكم الله خيراً!