للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النهي عن بيع الحاضر للبادي]

قال المصنف رحمه الله: [ونهى أن يبيع حاضر لباد].

هنا بدأ المصنف يعدد أنواع البيوع المنهي عنها.

و (ابن حزم الأندلسي له كتاب طبعته دار الحرمين بعنوان البيوع المنهي عنها، وقد عد منها أكثر من مائة بيع، ونحن هنا نأخذ عينات من البيوع المنهي عنها التي انتشرت في حياتنا، والموسوعة الفقهية الكويتية أوردت أيضاً أكثر من مائة نوع من البيوع المنهي عنها.

ونكتفي هنا بما أورده المصنف.

والحاضر هو من كان من أهل البلدة أو المدينة أو القطر، والبادي: القادم من البدو أو من خارجها، فهو لا يعلم حال المدينة ولا حال سوقها ولا حال العرض والطلب بها، فيلقاه الحاضر ويقول له: أنا أكفيك مؤنة البيع فاجلس أنت وأنا أتولى البيع، ويكون له سمساراً.

وقد نهي أن يبيع الحاضر للباد؛ لأن البادي إذا أتى إلى السوق فإنه لا يعلم حال السوق، فيبيع بالسعر الذي يناسبه، فإذا كان عنده مثلاً غنمة أنفق عليها ٢٠٠ جنيه فإنه يأتي السوق وهو يأمل في أن بيعها بـ٢٥٠ جنيهاً، وقد تكون نظيرتها في السوق بـ٣٠٠ جنيه عند الحاضر، فإذا دخل البادي السوق وعرضها بـ٢٥٠ جنيهاً فإنه يترتب على هذا أن ينزل الحاضر بالسعر، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض).

وهذا من تشريع الإسلام لأحوال السوق ودفع الغلاء في بعض الأسواق.

قال المصنف رحمه الله: [والبادي هاهنا هو من يدخل البلدة من غير أهلها، سواء كان بدوياً، أو من قرية، أو بلدة أخرى.

قال ابن عباس: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتلقى الركبان، وأن يبيع حاضر لباد، فقلت لـ ابن عباس: ما قوله حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمساراً).

متفق عليه.

وروى مسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض).

والمعنى في ذلك: أنه متى ترك البدوي يبيع سلعته اشتراها الناس برخص وتوسع عليهم السعر، فإذا تولى الحاضر بيعها وامتنع أن يبيعها إلا بسعر البلد ضاق على أهل البلد فيضر بهم، فنهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم].

فلو أن الحاضر هو الذي تولى البيع لضبط السعر وحافظ عليه عند مستوى معين، فيضر بذلك الناس، فدخول البادي إلى السوق يتسبب في نزول السعر، فلذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحاضر للبادي بشروط خمسة ذكرها المصنف.

قال المصنف رحمه الله: [وعنه يصح -أي: رواية عن أحمد أنه يجوز- والنهى اختص بأول الإسلام؛ لما عليهم من الضيق في ذلك، والأول المذهب لعموم النهي].

أي: أن الراجح هو الرواية الأولى.