للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم من وجد متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس]

قال رحمه الله تعالى: [ثم من وجد متاعه الذي باعه بعينه فهو أحق به].

والمعنى: لو أن رجلاً مديناً لك ولغيرك بمبلغ من المال ثم أفلس، فللحاكم -إذا ماطل الرجل في السداد- أن يحبسه ويبيع ممتلكاته، ثم يوفي الديون بقسمة الغرماء وحسب سعر الممتلكات.

ثم هب أن رجلاً أعطى آخر حقيبة بألف جنيه، والحقيبة هذه لا تزال عنده كما هي، إذاً فهو صاحب الحق، فإذا أراد الحاكم أن يبيع ممتلكات هذا المفلس فللرجل أن يسترد حقيبته هذه، ولذا قال المصنف: [من وجد متاعه الذي باعه بعينه فهو أحق به]، أي: أنه يسترد متاعه الذي عند المفلس، لأنه أحق به.

لكن؛ متى يسترد الدائن المتاع؟ أي: متى يسترد الدائن السلعة التي باعها للمدين، مع العلم أنها لا زالت عنده كما هي لم تتغير، وهو قد أفلس؟

الجواب

قال المصنف رحمه الله تعالى: [لما روى أبو هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وجد متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به)، متفق عليه، ولا يكون أحق به إلا بشروط: أحدها: أن تكون بحالها سالمة لم يتلف بعضها، فإن تلف بعضها أو باعه المفلس أو وهبه أو وقفه فله أسوة الغرماء، لقوله عليه السلام: (من أدرك متاعه بعينه فهو أحق به)، والذي تلف بعضه لم يوجد بعينه]، أي: أن يوجد المتاع كما هو بعينه لم يتصرف فيه المدين، كأن وقفه أو وهبه أو باع بعضه أو قطع بعضه أو أتلف بعضه أو استخدم بعضه، فلابد أن يوجد المتاع كما هو لم يتصرف فيه بأي تصرف على الإطلاق.

قال: [الشرط الثاني: أن لا يزيد زيادة متصلة -هذه مسألة خلافية- كالسِّمن، والكبر، وتعلم صنعة، فإن وجد ذلك منع الرجوع؛ لأنه فسخ بسبب حادث فمنعته الزيادة المتصلة كالرجوع في الصداق للطلاق قبل الدخول]، أي: لو أن رجلاً أعطى آخر خروفاً بتسعمائة جنيه بالآجل، ثم أفلس هذا المشتري أو المدين والخروف لازال عنده، لكنه قد أعلف هذا الخروف حتى كبر وسمن، فما حكم رد المتاع في هذه الحالة؟ فيه روايتان عن الإمام أحمد: الرواية الأولى: الرد، والفرق للمفلس، أي: أن الخروف يوم أن اشتراه كان بتسعمائة جنيه، والآن سعره ١٥٠٠ جنيه، فيرد المتاع (الخروف) مع ستمائة جنيه للمفلس؛ لأن هذه الزيادة من حقه، والخراج بالضمان، والمشتري ضامن للسلعة بالثمن الذي اشتراها به، وهذا في حال الزيادة المتصلة، وأما الزيادة المنفصلة فلا مشكلة فيها، كأن ينتج عن هذا الخروف خروفاً آخر، وإنما المشكلة هي الزيادة المتصلة؛ لأنها ترتبط بذات المتاع، كأن يعطيه رجل آخر عبداً أمياً لا يجيد القراءة ولا الكتابة، ثم تعلم عند هذا المفلس القراءة فحينما يسترد هذا الدائن متاعه يسترده والفرق للمفلس، وهذه هي الرواية الأولى عن أحمد والرواية الثانية: عدم الرد في حالة الزيادة المتصلة.

قال: [وعنه: أن الزيادة لا تمنع الرجوع للخبر؛ ولأنه فسخ فلم تمنعه الزيادة كالرد بالعيب، فأما الزيادة المتصلة فلا تمنع الرجوع؛ لأنه يملك الرجوع في العين دونها، والزيادة للمفلس في ظاهر المذهب].

قال: [الشرط الثالث: أن لا يكون البائع أخذ من ثمنها شيئاً، فإن قبض بعضه فلا رجوع له؛ لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أيما رجل باع سلعته فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس ولم يكن قد قبض من ثمنها شيئاً فهي له، وإن كان قد قبض من ثمنها شيئاً فهو أسوة الغرماء) أي: إن قبض الدائن أو البائع بعض الثمن فلا حق له في استرداد متاعه عند بيع الحاكم لمال المفلس، كأن يأخذ مقدماً مائتين من الجنيهات عند بيعه للمتاع، والباقي في وقت آخر، فلا يجوز له أن يسترد عين المتاع، وإنما يسترد القيمة أسوة الغرماء.

قال: [الشرط الرابع: أن لا يتعلق بها حق غير حق المفلس، فإن خرجت عن ملكه ببيع أو غيره لم يرجع؛ لأنه تعلق به حق غيره أشبه ما لو أعتقها]، أي: أن لا يتعلق بها حق غير حق المفلس، بمعنى: بعد أن انتقلت ملكية السلعة إلى المدين تصرف فيها، مثلاً: شارك فيها، أو قال لآخر: الحقيبة هذه ملكي اشتريتها بالأجل هل تأخذ نصفها؟ فاشترى نصفها، فأصبحت الآن الحقيبة فيها شركاء متشاكسون، أو وهبها أي شخص آخر، أو أوقفها أو تصرف فيها أي تصرف يترتب عليه حقوق أخرى، هذه الحقوق الأخرى لا يجوز معها رد هذه الحقيبة بعد ذلك.

قال: [الشرط الخامس: أن يكون المفلس حياً، فإن مات فله أسوة الغرماء، رواه أبو داود، ولأن الملك انتقل عن المفلس فأشبه ما لو باعه]، أي: إن المفلس صاحب الدين يشترك مع الغرماء في توزيع الدين، وليس له حق رد المتاع.