قال رحمه الله: [ويفتتح بالصفا ويختم بالمروة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالصفا، وقال:(أبدأ بما بدأ الله به)، فيقتضي الترتيب؛ لأنه أمر يقتضي الوجوب، فلو بدأ بالمروة لم يعتد بذلك الشوط]، أي: لو أن حاجاً بدأ بالمروة فإنه لا يحسب له شوطاً، لأن الترتيب في الآية:{إِنَّ الصَّفَا}[البقرة:١٥٨]، يقتضي الوجوب، ومثله في الوضوء، خلافاً لبعضهم، قال الشافعي رحمه الله تعالى: إن إدخال العضو الممسوح بين المغسولين -في الآية- لا يفيد إلا الترتيب، حيث قال الله:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ}[المائدة:٦]، فـ (أرجلكم) معطوفة على (وأيديكم إلى المرافق)، فكما أنه تغسل الذراعان فكذلك تغسل القدمان، وإدخال الممسوح بين المغسولين أفاد الترتيب، لأن الترتيب لو كان غير مقصود لجاء بالمغسول على حاله وجاء بالممسوح كذلك على حاله، وهذا الكلام معتبر وله حجته.
قال:[ثم يقصر من شعره إن كان معتمراً وقد حل، إلا المتمتع إن كان معه هدي والقارن والمفرد فإنه لا يحل]، أي: بعد انتهائه من السعي بين الصفا والمروة يحلق أو يقصر إن كان متمتعاً، ويجوز له كل شيء من محظورات الإحرام حتى النساء، وأما إن كان قارناً أو مفرداً أو متمتعاً قد ساق الهدي، فإنه لا يحل له أن يتحلل، وإنما يظل على إحرامه، فالقارن قد قرن بين حج وعمرة، والمفرد سيؤدي حجاً فقط، والمتمتع الذي ساق الهدي من بلده يلزمه أن يقرن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولتحللت).
قال: [لما روى ابن عمر قال: (تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: من كان معه هدي فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت والصفا والمروة وليقصر وليحلل)، متفق عليه.
والأحاديث في ذلك كثيرة لا نعلم فيها خلافاً].
وقد جمع ووفق ابن عثيمين بين الروايات الثلاث التي تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حج متمتعاً، وحج قارناً، وحج مفرداً، وكلها صحيحة، فقال رحمه الله تعالى: حج النبي صلى الله عليه وسلم قارناً لأنه ساق الهدي، وحج مفرداً لأنه أتى بأعمال الحاج المفرد والتي هي نفس أعمال الحاج القارن، فكلاهما لهما طواف واحد وسعي واحد، ما عدا الدم، فالقارن يلزمه دم والمفرد لا يلزمه، وحج صلى الله عليه وسلم متمتعاً لأنه أدى العمرة مع الحج، أي: في سفرة الحج، ولا شك أن التمتع هو أفضلها.