للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب الوديعة]

قال المؤلف رحمه الله: [باب: الوديعة.

وهي أمانة عند المودع لا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى].

كأن أقول لك: خذ هذه الساعة وديعة عندك في بيتك، فأخذت أنت الساعة ووضعتها في حرز أمين، لكن سرقت، ففي هذه الحالة لا يلزمك القيمة؛ لأنها أمانة، وأنت قمت بحفظها.

مثال آخر: قلت لك: هذه ألف جنيه، خذها أمانة عندك لمدة أسبوع، فجاء لص وسطا على الخزنة وكسرها وأخذ الألف جنيه، ففي هذه الحالة لا يلزمك، لكن إن أخذت المبلغ ووضعته على الباب أو في الشباك، فمر لص ووجد الألف وأخذها، ففي هذه الحالة يلزمك؛ لأنك لم تحفظها بالطريقة المعتادة، وهذا معنى قول المصنف: (وهي أمانة عند المودع لا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى).

قال: [سواء ذهب معها شيء من مال المودع أو لم يذهب].

مثال ذلك: وضعت في الخزنة عشرين ألف جنيه (١٠٠٠٠) جنيه أمانة و (١٠٠٠٠) جنيه أخرى ملكي، فأتى السارق وأخذ (١٠٠٠٠) الأمانة، (٥٠٠٠) من ملكي، والأمانة تكون مميزة، بأن أكتب عليها (١٠٠٠٠) جنيه في ورقة ملفوفة أمانة للأخ فلان، و (١٠٠٠٠) الأخرى ملكي، ففي هذه الحالة إن أخذ السارق الأمانة فلا يلزمني شيء، وإن كانت العشرون ألف جنيه مختلطة بدون تمييز، ففي هذه الحالة تحسب العشرة المسروقة من ملكي؛ لأن المال الآن مختلط، لكن لابد أن تميز الأمانة في حفظها.

قال: [وعنه: إن ذهبت من بين ماله غرمها].

يعني: رواية عن أحمد: إن ذهبت من بين ماله، بمعنى: ذهبت ومعها جزء من ماله.

قال: [لما روي عن عمر بن الخطاب أنه ضمن أنس بن مالك وديعة ذهبت من بين ماله، ودليل الأولى -وهو الأرجح والأقوى والمختار- أن الله سبحانه سماها أمانة، والضمان ينافي الأمانة، ويروى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على المودع ضمان)، ويروى ذلك عن جماعة من الصحابة؛ ولأن المستودع يحفظها لصاحبها متبرعاً، فلو ضمن لامتنع الناس من قبول الودائع، فيضرُّ بهم لحاجتهم إليها، وما روي عن عمر محمول على التفريط من أنس في حفظها فلا ينافي ما ذكرناه، فأما إن تعدى فيها أو فرط في حفظها فتلفت ضمنها بغير خلاف نعلمه].

الوديعة أمانة، فإن اشترط فيها الضمان لن تكون عندي أمانات، فإنني لا أريد أن أقحم نفسي في المتاعب، وفي هذه الحالة لا أحد سيضع عند أحد ودائع، فالأصل: أن تكون الوديعة أمانة، ولا يلزمك الضمان إلا إذا قصرت، فإن لم تقصر لا شيء عليك.