[صلاة الوتر]
قال: [الضرب الثاني -يعني: القسم الثاني-: الوتر، ووقتها ما بين العشاء والفجر، لما روى أبو بصرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر الوتر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (فإذا خشيت الفجر فأوتر بواحدة)، متفق عليه].
والإمام البخاري له كتاب في الصحيح اسمه كتاب الوتر في المجلد الثاني.
والوتر سنة خلافاً للأحناف الذين قالوا: إنه واجب، والدليل على سنيته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الوتر أحياناً على راحلته، ومعلوم أنه لا يجوز أن تصلى الفريضة على الراحلة، فدل ذلك على أن الوتر نافلة.
ولذلك يقول ابن حجر: ولو أن البخاري لم يضع هذا الباب في كتاب الوتر لظننت أنه يقول بالوجوب، أي: باب: صلاة الوتر على الراحلة، وهذا من فقه البخاري.
وكان يوتر أحياناً في أول الليل يعني: بعد العشاء، وأحياناً في وسط الليل، وأحياناً في آخر الليل، وكان آخر عهده أنه كان يوتر في آخر الليل، لكنه قال لـ أبي ذر: (أوصاني خليلي -أي: حبيبي- بثلاث: أن أوتر قبل أن أنام، وبصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وبصلاة الضحى)، وإنما قال لـ أبي ذر: (أوتر قبل أن تنام)، وذلك أخذاً بالحيطة، إذا أوترت في أول الليل فربما تستيقظ مع الفجر وقد أوترت، وإن غلب على ظنك وتيقنت أنك ستقوم قبل الفجر فلك أن توتر بعد الاستيقاظ من النوم.
قال رحمه الله: [وأقله ركعة] كما في حديث البخاري: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة)، وهذا هو الأولى أن يصلى الوتر مثنى مثنى ثم الإيتار بركعة واحدة، لحديث: (وكان النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يصلي الوتر ثلاثاً بتشهد واحد)، وليس بتشهدين كصلاة المغرب فإن هذا لا يجوز.
قال رحمه الله: [وأكثره إحدى عشرة ركعة؛ لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة) متفق عليه.
وأدنى الكمال ثلاث بتسليمتين، لما روى عبد الله أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوتر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (افصل بين الواحدة والثنتين بالتسليم)] يعني: صل ركعتين ثم سلم ثم صل ركعة واحدة وسلم، فهذه هي أفضل طريقة لصلاتها، أما من صلاها متصلة فهو جائز؛ فقد ثبت عنه ذلك صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى في الركعة الأولى، وبالكافرون في الركعة الثانية، وبالإخلاص في الركعة الثالثة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في الوتر قبل الركوع أحياناً، وبعد الركوع أحياناً، وأحياناً كان لا يقنت وكل الأفعال ثابتة، فالسنة أن تقنت قبل الركوع أو بعد الركوع، أو تترك القنوت طالما أن ذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن السنة أن تفعل الثلاث، ولا تستدم على حال.
ومن البدع في القنوت: ما يفعله البعض في دعاء القنوت من إطالته بطريقة تخالف السنة، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله: [ويقنت بعد الركوع؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع)، والقنوت الدعاء].
ولفظ القنوت أورد له الحافظ العراقي عشرة معاني، منها: الدعاء.
قال رحمه الله: [وهو ما روي عن عمر: أنه قنت فقال: اللهم إنا نستعينك ونستهديك، ونستغفرك ونؤمن بك، ونتوب إليك، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق، اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك.
وروى الحسن قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت) رواه الترمذي].
وإذا كان المصلي إماماً فإنه يأتي بصيغة الجمع لا الإفراد، أما المأموم فإنه يؤمن عند الدعاء.
وهنا أخطاء يقع فيها بعض الناس في الدعاء، منها قولهم: وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، والصواب: وقنا شر ما قضيت، أو قولهم: إنك تقضي بالحق، والصواب: إنك تقضي ولا يقضى عليك، أو زيادة لفظة يا الله بعد قوله: إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت، وهذا غير وارد.
ويجوز التأمين بلفظ آمين فقط، والثناء على الله عند آيات الثناء، أو تقول: سبحانك، في سرك، ففي هذا تنزيه لله، أما أن تقول: حقاً، أشهد، يا الله! فهذا كلام غير