[باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه]
قال المصنف: [باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه: لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب] فقد يأتيك رجل يسألك وهو يستطيع أن يجر سيارة من الشارع وبقوة، هل هذا رجل يحتاج إلى صدقة؟ بل لا بد أن يعمل، فإن الصدقة لا تحل لغني ولا لقوي مكتسب يستطيع أن يكتسب الرزق، ولذلك لو أخذنا هذه القواعد وطبقناها الآن لما وجدنا من يتسول، ولكننا نحن الذين أوجدنا هذه الطائفة من المتسولين؛ لأننا ساعدناهم على ذلك، فعندما يخرج الواحد منهم في الصباح ويعود في آخر النهار ومعه ٥٠ جنيهاً أو ١٠٠ جنيه، وبدون مشقة فهذا عمل سهل ولا يحتاج إلى جهد، ولو أننا قلنا له: أنت قوي مكتسب لا تحل لك الصدقة، لعاد وفكّر ألف مرة، لكن هذا الفقه الغائب هو الذي دفع البعض إلى هذه الوظيفة.
قال الشارح: [لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) رواه النسائي، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي)] يعني: لقوي سوي ليس به عيب، أو لا يستطيع التكسب.
وبعض هؤلاء المتسولين يمثّل فتجده يربط على قدمه شاشاً حتى يأخذ منك، فإذا انفرد بنفسه مشى كالصاروخ وليس بقدمه شيء، فانتبه إلى هؤلاء، وقد أخبرني أحد الإخوة في المملكة العربية السعودية أن هناك عصابات تقطع أذرعة الصبية الصغار، والطفل ابن سنة أو سنتين، ويوضع في الطريق العام ليتسول، عصابات تُحصّل الإيراد آخر اليوم آلاف الجنيهات.
والشاب الذي يريد أن يتزوج من الزكاة يعان من الزكاة، وهذا حدث في عهد عمر بن عبد العزيز حينما زوج الشباب من بيت المال، على اعتبار أنه من أحد مصارف الزكاة، إما أن يدخل تحت المسكين أو تحت الفقير، فإذا كانت حاجته للزواج عشرة آلاف ومعه خمسة آلاف يعان بالخمسة آلاف المتبقية؛ لأن ما معه أقل من حاجته.
ثم قال الشارح: [(لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي).
وضابط الغنى روايتان] ضابط الغنى عند الإمام أحمد يختلف عن ضابط الغنى في عصرنا؛ فضابط الغني في عهده من دخله خمسون ديناراً، فهذا كلام في عهده، أما في عهدنا فضابط الغنى عندنا هو متوسط دخل الرجل المعتاد، فمثلاً: ما يحتاج إليه الرجل في مصر للإنفاق على بيته من مسكن ومطعم ومشرب ٥٠٠ جنيه، إذاً فضابط الغنى هو ٥٠٠ جنيه.
قال المصنف: [ولا تحل لآل محمد صلى الله عليه وسلم وهم بنو هاشم ومواليهم].
بنو هاشم وبنو عبد مناف، وخص بنو هاشم وبنو عبد مناف بالذكر دون غيرهم لأنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحصار الاقتصادي، فهؤلاء لهم من الفيء الخمس، ولا يأخذوا من الزكاة، وكذلك لمواليهم.
قال الشارح: [لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الصدقات أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد وآل محمد) وحكم مواليهم -وهم معتقوهم- حكمهم.
ولا يجوز دفعها إلى الوالدين وإن علا].
قوله: وإن علا، يعني: الجد، وشيخ الإسلام له بحث نفيس في هذه المسألة، يقول: يجوز أن تدفع إلى الوالد، ولكن شريطة ألا يكون الولد ملتزماً بالنفقة عليه، قال العلماء: إذا كانت الزكاة تسقط عني حق النفقة فلا يجوز.
فالضابط عند شيخ الإسلام: أن من تلزمك مؤنته والنفقة عليه لا يجوز أن تؤدي الزكاة إليه، وأما قولهم: إن الزكاة لا تدفع إلى الأب وإن علا، حتى وإن كان غير ملزم بالإنفاق عليه، فهذا كلام يحتاج إلى دليل.
قال المصنف: [ولا إلى الولد وإن سفل] يعني: أب يعطي ولده أو يعطي الحفيد وهكذا، [ولا من تلزمه مؤنته كالزوجة] كذلك الزكاة من الزوج للزوجة لا تجوز، تجوز من الأخ لأخيه؛ لأن الأخ لا يلتزم بمؤنة أخيه، أما إذا كنت تنفق عليه لا يجوز أن تعطيه الزكاة، فكل من تلزمك نفقته ومؤنته لا تؤدي الزكاة إليه، لأنك لو أديت الزكاة أسقطت عنك النفقة.
قال الشارح: [كالزوجة والعبد والقريب لأن نفقتهم عليه واجبة، وفي دفعها إليهم إغناء لهم عن نفسه فكأنه صرفها إلى نفسه، ولا يجوز أن تدفع الزكاة إلى كافر لغير تأليف القلب (تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم)].
فإن أداها إلى كافر لا تجزئ حتى وإن كان لا يعلم أنه كافر، ثم علم عليه أن يعيد إخراج الزكاة، فالزكاة لا تجوز لكافر.
ويجوز أن يعطى أهل الكتاب من الأضحية إذا كانوا جيران.
قال الشارح: [ولأنها مواساة تجب على المسلم فلم تجب للكافر كالنفقة.
فأما صدقة التطوع فيجوز دفعها إلى هؤلاء وإلى غيرهم] صدقة التطوع تجوز من الأصل إلى الفرع، ومن الفرع إلى الأصل، وإلى الكافر لتأليف قلبه [لما روي عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقلت له: أتشرب من الصدقة؟ فقال: إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة] رغم أنه من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه شرب من مال الصدقة، فتوضح أن الصدقة المقصود بها الزكاة الواجبة.
قال الشارح: [ولا يجوز دفع الزكاة إلا بنيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما